السياسة ترامب في الشرق الأوسط عند مفترق طرق
بقلم: خالد خليفة
مع اقتراب نهاية عام 2025، تتكثف المؤشرات على أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تقف عند مفترق طرق حاسم، في ظل ضغوط داخلية وخارجية غير مسبوقة تواجه إدارة الرئيس دونالد ترامب. فقد جاءت الدعوة المتزامنة لكل من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية وفلاديمير زيلينسكي رئيس دولة اوكرانيا إلى ميامي، قبل أيام قليلة من رأس السنة، في توقيت سياسي بالغ الحساسية، يعكس محاولة واضحة من البيت الأبيض لتحقيق اختراقات سياسية يمكن تسويقها كإنجازات ملموسة بعد أكثر من أحد عشر شهرًا على تسلم ترامب الحكم دون تحقيق نتائج نوعية تذكر في السياسة الخارجية الامريكية.
وكان دخل ترامب الى البيت الأبيض وهو يحمل وعودًا كبيرة للأمريكيين، خاصة ما يتعلق بوقف الحروب، وتحقيق الاستقرار، وإنهاء الأزمات التي تعصف بالنظام العالمي. إلا أن الواقع جاء مختلفًا؛ فالحرب الإسرائيلية المستمرة على أكثر من جبهة، وعلى رأسها قطاع غزة، باتت تشكل عبئًا استراتيجيًا وسياسيًا واقتصاديًا على الولايات المتحدة. فقد بلغ الدعم الأمريكي لإسرائيل خلال العامين الماضيين وخلال حربها على غزة الى اكثر من 66 مليار دولار، وهو رقم ضخم في ظل أزمة اقتصادية أمريكية داخلية خانقة يعاني منها المواطن الأمريكي نتيجة السياسات الجمركية وارتفاع تكاليف المعيشة.
والأخطر من ذلك أن استمرار الحرب يهدد شبكة علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها في الشرق الأوسط. فدول محورية مثل السعودية، قطر، الإمارات، الأردن، مصر وتركيا تراقب بقلق السياسة الأمريكية المنحازة بلا سقف لإسرائيل. وفي حال استمرت العمليات العسكرية، خاصة إذا توسعت نحو لبنان أو إيران، فإن التكلفة الإضافية قد تصل إلى أكثر من 30 مليار دولار، فضلًا عن خسارة استثمارات عربية محتملة تتجاوز 300 مليار دولار، كانت واشنطن تعول عليها لإنعاش اقتصادها وتعزيز نفوذها الإقليمي.
اما داخليًا، يعاني ترامب من تراجع حاد في شعبيته. فحسب معاهد استطلاع الرأي، لا تتجاوز نسبة التأييد له 36% حسب معهد كالوب للاستطلاعات والرأي العام الامريكي، مع انخفاض كبير داخل الحزب الجمهوري وتآكل شبه كامل للدعم داخل الحزب الديمقراطي في الكونغرس. كما أن نحو 70% من الأمريكيين يعبرون عن قلقهم من تدهور الوضع الاقتصادي ومستوى المعيشة وكان ترامب قد بداء ولايته الثانية بفرض الجمارك والضرائب العالية إضافة الى حملة واسعة النطاق ضد الجامعات الأمريكية والطبقات المؤثرة والمهاجرين حيث بداء بعملية ممنهجة لطردهم من الولايات المتحدة بحيث يمكن ان يصل العدد الى أكثر من عشر ملايين مواطن امريكي ويقولها جهارا انه معنيا بأمريكا أولا وهي أمريكا المسيحية والبيضاء الامر الذي يزيد من الصدام والاستقطاب داخل المجتمع الامريكي. إلى جانب ذلك، تواجه هذه الإدارة أزمات أخرى على الصعيد الخارجي: فهنالك توتر مع كندا حول الهجرة وامور اقتصادية اخرى، وخلافات مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ومخاوف من الانجرار إلى صراعات في أمريكا الجنوبية، وملفات داخلية حساسة، بما فيها فضائح تهدد صورة الإدارة كملف جيري ابستين.
وفي هذا السياق، تدرك إدارة ترامب أن الاستمرار في دعم إسرائيل دون أفق سياسي سيقود إلى تآكل مكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وربما إلى انهيار سمعتها الدولية. لذلك، تبدو واشنطن اليوم أكثر استعدادًا للضغط على نتنياهو للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بما يشمل انسحابًا تدريجيًا، ووقف العمليات العسكرية في الضفة الغربية، وربما إدخال قوات دولية، في خطوة يمكن تقديمها كإنجاز دبلوماسي كبير للإدارة ترامب.
إن دفع إسرائيل نحو اتفاق ليس نابعًا فقط من اعتبارات إقليمية، بل من حسابات داخلية امريكية. فترامب بحاجة ماسة إلى إنجاز سياسي يعرضه على الرأي العام الأمريكي وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وعدم التوصل إلى اتفاق سيعني مزيدًا من التراجع في شعبيته، وتآكل الدور الأمريكي، واتساع الفجوة مع الحلفاء.
مع نهاية العام، يمكن القول إن إدارة ترامب ستسعى بكل قوة لعقد صفقة تُنهي الحرب في غزة أو على الأقل تُخفف حدتها، لأن البديل هو انهيار واسع النطاق في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. الكرة اليوم في ملعب واشنطن ونتانياهو الذي يغامر على دور الولايات المتحدة وتأثيرها الاقليمي، وأي تردد إضافي من هذه الادارة قد يكلفها خسارة نفوذًا استراتيجيًا يصعب استعادته
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency