للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
نظرةٌ صوب الغد (الجزء الأول)
سماح، فتاةٌ في مقتبل عمرها، نالت شهادة الثانوية العامة بتفوق، فهي كتلةٌ من الأخلاق والاجتهاد، النجاح في نظرها المصباح الذي ينير درب السعادة، مقتنعةً أيّما اقتناع أنَّ ما من مجدٍ سيتحقق دون أن يُخلّف وراءه تعبٌ وكدّ!!
كان لها أخٌ وحيدٌ، صغير، يدعى ماهر، وأمّها انتصار، يعيشون سويةً في بيتٍ رغم بنائه القديم وحالتهم الفقيرة، إلاّ أنَّ من يدخل هذا البيت ينعم بدفئهِ وبالطّيبة التي يتحّلى بها أصحابه، وهدوءه الذي تعذبُ به النفس، ويهيم بها.
وسماح، وطموحها الذي لا يعرف حدودًا، فالطب حلمها أن تتعلمه لتصبح طبيبة، كما أحبت ومنذ طفولتها.
ولكنّها الآن بعد أن مرَّ على تجارب حياتها سنوات، ترجع بالذاكرة إلى الوراء، إلى الوراء بعيدًا، إلى يوم كانت عائدةً فيه من المدرسة مغتبطة أيّما سرور بنتيجة امتحاناتها العالية، متلّهفة بشوقٍ كبير أن تصل البيت بسرعةٍ لتزّف بشائر الخبر إلى أمّها، فحتمًا هي تنتظر بشوقٍ جارف هذا الخبر السارّ.
ما أن دخلت البيت، وإذ بها ترى ضيوفًا عندهم، كانت امرأة تبدو في عمر أمّها، سماح ظنتّها صديقة لأمّها لم ترها منذ زمنٍ بعيدٍ، ذلك أنَّ سماح لم ترَ هذه المرأة قبل ذلك مطلقًُا، فقررت سماح البقاء في غرفتها مع أخيها الصغير، فتتيح المجال لأمّها وهذه المرأة أن تتحدثا بحريّة.
وبينما كانت تُلاعب سماح أخاها، سمعت سهوًا كلمة الزواج تتفوه بها هذه المرأة، فلم تأخذ الموضوع على محمل الجّد وبعد قليل نادتها أمّها ، فرأت سماح المرأة وسلّمت عليها، وكلمات الثناء والمديح لم تبرح فم هذه المرأة، الأمر الذي أثار في نفس سماح تعجبًا واستغرابًا، فلماذا كلُّ هذه العبارات الجميلة الرنّانة الصدى التي تسمعها من امرأةٍ لأول مرة تراها، لم يخطر ببالها أنَّ هذه المرأة تتمنّاها أن تكون زوجةً لابنها، إلاّ عندما جلست سماح معهما، وتكلمّوا بالموضوع علانيّة، مفاجأة أثار وقعها في نفس سماح حيْرةً واندهاشًا ، فهي ما زالت صغيرة على الزواج، فحلَّ عليها هذه الخبر هكذا و دون مقدمات فباغتها، إلا أن وجدت نفسها تعيش في الحقيقة، إنّها لا تحلم، بل هو واقع.... واقعٌ جميل.
فطفقت نهاية تُحدّثهم عن ابنها وأخلاقه وشهاداته، وكم هي فخورةٌ به، وكان وصفها لابنها يشدُّ سماح رغبةً بالزواج منه، فشابٌ كهذا نادرٌ، لا سيّما أنّه يتحّلى بكافة الخصال الحسنة الني تتمنّاها أيُّ فتاة، وكذلك كان رأيُ أمّها فيه.
ونهاية ما زالت تُحدّثهم عن ابنها، عن مدى تفانيه، ودماثة أخلاقه، لدرجة شعرت سماح أنّها يجب عليها أن تراه، أن تتحدث إلى هذا الإنسان المفعم بالسمات الرائعة!!
تلت هذه الزيارة زيارات من كلا الطرفين، إلا أن وافقت سماح أن تتزوج به، وهو كذلك، فتعرفت عليه، فأخبرها عنه كلَّ ما سمعته هي من أمّه، فكانت تعرف أنّه يعمل في مجال الهندسة، فقد درس هذا الموضوع، تعرف عنه كل ما هو حسن وجيد، كلُّ ذلك كان في فترة خطوبتهما، وهي لم تتردد أن تخبره عن طموحها بأن تصبح طبيبة ناجحة، فقد وثقت به، لشدة ما سمعت عنه ومنه ومن أمّه، وهي من لا تعرف إلاّ أن ترى البشر كما لو أنّهم هي لا هم!!
فمنحته ثقتها الغالية، ووثقت بكلّ ما يقول ، ورسا تفكيرها عليه ، تفكيرها الذي لم يرَ فيه إلاّ شابًا يتسّم بالحسّ المرهف والأمل والخلق الحسن.
ومرّت الأيام، إلا أن تزوجا، فرحة أمّها كانت كبيرة، بتفوقها في الثانوية بدايةً، وبزواجها بعد ذلك، ودراستها الجامعية سوف تبدأها الآن، فالزواج لن يكون عائقًا، وبإمكانها أن تغدو طبيبة كما تمنّت دومًا.
فالأم، هذه الأم، التي كانت وحيدةً في تربيتها لها ولأخيها، فمنذ صغرها وسماح لا تعرف والدها، فأبوها متوّفٍ منذ زمنٍ طويل، ومسؤولية تربيتها هي وأخوها وقعت على عاتق أمّها، فعمل الأم في الخياطة وإتمامها واجب التربية كان يستحوذ على كلَّ وقتها، والآن لن تُمانع على أن تُزوج ابنتها، وإن لم تُكمل دراستها، فالأم ليست من اللواتي يفهمن بالعلم كثيرًا، أمٌ بسيطة بالكاد تعرف فكَّ الخط، وهي من اللواتي يؤيدنَّ الحكمة القائلة انّ الفتاة متى ما أصبحت بالغة فالزواج سيحميها من كلِّ شيء، وهو فوق كلِّ شيء، فوق العلم والشهادات، هو سيجلب السعادة ويجعل ابنتها في حماية زوجها، سيكون هنالك رجلٌ في حياتها، رجلٌ يحميها من غدر الأيام، أفضل لها سيكون من أن تبقى بدون أب.
بعدما كبرت سماح، أمّها تخاف من أن لا تستطيع حمل هذاالحمل المُلقّى على عاتقها لوحدها، وتسّد الفراغ الذي يشغله الأب، فزوجها سيكون سندًا لها، ومن يعرف ماذا تُخبيء الأيام؟!
سماح، كانت راضية، رغم أنّها حزنت قليلاً، فقد أرادت أن تتعلم في الجامعة وبعد ذلك تتزوج، بعد أن يتحقق طموحها، إلاّ أنَّ أمّها أقنعتها بأنّها تستطيع أن تتعلم وهي متزوجة، فلا شيء يمنع ذلك، وكذلك نهاية، أم سامر حماتها "الطريّة" ، قالت لها أنّهَ لا مانع لديهم أن تكمل تعليمها، فكانت قي كلّ مرة تراها بها نهاية تمدحها وتعاملها بلطفٍ كبير، وتقول لها كل ما هو مفرح، وأنّها ستكون مرتاحة سعيدة، ولها أن يكون كل ما تبتغي، فوافقت سماح على الزواج وقلبها يشعُّ بالفأل الحَسَن لطيبة هذه المرأة، فلم تصدق نفسها لشدة جذلها، هي وأمّها، ستعيش حياةً أفضل مع زوجها، في بيتٍ وثراء وحالٍ أفضل من حال الفقر المُدقع الذي خيّم على حياتها طيلة هذه السنوات.
وهذا أيضًا ما فكرت به أمّها، لذلك كانت موافقةً على تزوجيها ولو في سنٍ صغير، لئلا تظل ابنتها تعيش في حال الفقر والبؤس، يكفي أنّها هي ذاقت مرارة البؤس، وقد أمضت سنيها وهي تضحي لأجل ولديها، وتبقى هي وولدها الصغير.
سماح كانت فتاةً قنوعة، لم تطلب الكثير، ورغم المعاملة الحسنة التي عاملها بها سامر وأمّه، فدومًا يطمئنونها أنَّ كلَّ ما تطلبه سيتحقق، وأنّها ستعيش بعزٍٍّ ورفاه، لكنها لم تكن من اللواتي غلبت الطلبات على طابعهنّ، لم تكن تطمح إلاّ أن تكمل تعليمها وتصبح طبيبة، فهي أبدأ لن تتخّلى عن هذا الطموح، ولو تخّلت عن كل شيء....