بينما كنتُ أتجاذب أطراف الحديث مع صديق لي حول شؤون الحياة والمجتمع المختلفة ، وإذ به يُبادرني بسؤالٍ أثار للوهلة الأولى دهشتي واستهجاني ، ولكن سرعان ما أدركتُ قصدهُ من وراء هذا السؤال :
- قُل لي يا صديقي: إذا جاءك أحدهم طالباً منك مبلغاً من المال، وأنت على ثقة ويقين بأنه ليس بمقدوره وباستطاعته إعادة وإرجاع هذا المبلغ لك، ماذا سيكون جوابك ؟
كانت إجابتي تلقائية لا يشوبها التردد :
- أقول له : لا مال لدي لإقراضك ولمساعدتك ! وأنت يا عزيزي ،ماذا كنت ستجيبه ؟
- أقول له وبصراحة: معي الكثير من المال، ولكني لا أريد أن أقرضك وأساعدك!!!
فاجأني صاحبي بإجابته من ناحية ، ولكنه دفعني من الناحية الأخرى إلى التعمق والتفكير ملياً بمضمون وجوهر كلامهُ ، وأدركتُ بسرعة كم هو محقٌ ، لأنه أجاب بكل صراحة...
والصراحة، عزيزي القارئ، تعني الوضوح وعدم الالتواء وإظهار ما تنطوي عليه النفس دون تحريف ودون مواربة، فتكون أفكارنا جلية، بحيث تتوافق أفعالنا مع أقوالنا...
لقد أصبحنا نعيش في زمن أضحت فيه الصراحة واقعاً مؤلماً ، بحيث يحاول أغلبيتنا التهرب منها ، لأن مجتمعنا لا يتقبّل الصراحة والصدق ، فيعتبر الإنسان الصادق جارحاً وغير مُريح ، لذلك قلّ أصدقاء الإنسان الصريح الذي يُؤثر قول الحقيقة . فعندما يطلبون رأينا في أمر معيّن نحاول دائماً الإجابة بطرق دبلوماسية ، مُجتهدين قدر الإمكان عدم المسّ وعدم إيذاء الآخرين ، مُتبعين قول الشاعر :
ومن لا يُجامل في أمور كثيرة يُضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
فإذا سألنا أحدهم عن ذوقه في الملابس التي يرتديها ، نحاول مجاملته وامتداح ملابسه بالرغم من بشاعة ذوقه ...
وإذا سألنا المسؤول عنا في العمل عن رأينا به وبعمله ، نبحثُ في قاموس المجاملة عن كلمات نُجامل فيها لكي لا نجرح شعورهُ...
وإذا حدّث أحدهم نكتة وفكاهة غير مثيرة للضحك ، نُبادر إلى الضحك المصطنع والابتسامة الصفراء ، لكي لا يشعر بالإحراج ...
قد يعتبر البعض أن الصراحة ما هي إلا نوع من الوقاحة ومسّ بالشعور والأحاسيس ، وبأن الإنسان الصريح هو إنسانٌ وقحٌ لا يتفهم مشاعر الآخرين ولا يكترثُ لأحاسيسهم ، لذلك نشهد بأن أكثر الناس المكروهين- المنبوذين في المجتمع هم أولئك الأناس الصرحاء ، الذين يُحدّثون ويقولون ما يشعرون به بشكل تلقائي ، دون رياءٍ أو مداهنة ،وأكثر الناس قُبولاً في مجتمعنا أولئك الذين يُحدّثون عكس ما يشعرون به...
باعتقادي- أن في الصراحة راحة ، وليس فقط للمتحدث الذي يُعبّر عن هواجسه وشعوره وأحاسيسه ومكنونات قلبه بعفوية وبشفافية وبشكل حقيقي ، ولكني أجزم فأقول بأننا إذا تعمقنا في جوهر هذه المعضلة لتأكدنا بأن في الصراحة راحة للطرفين ، لأنك إن واجهت إنساناً مُعيناً بالحقيقة وحادثته بصدقٍ وبصراحة ٍ ، فلا بُدّ أن يُفكر وبعمق بما سمع ، وأن يستخلص العبر ، ما دام الانتقاد بناء وهدفه المنفعة...
ختاماً- كلنا يعرفُ قصة سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه وأرضاه- حينما جاءهُ رجلٌ يأمره بتقوى الله عزّ وجلّ ، حينها اعترض بعض الحاضرين ، فقال لهم عمر :
دعوهُ فليقلها...
فلا خيرا فيكم إذا لم تقولوها...
ولا خير فينا إذا لم نقبلها...
*****
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency