للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
بعد أن ظلّت طيلة أعوامٍ طويلة لا تُنجب أولادًا، ها هي الآن تحمل في أحشائها جنينًا، خلال السبعة أعوام التي مضت، كثيرًا ما راودت فكرة الطلاق خاطر سعيد، زوجها، الذي ارتبط قلبه بها برباط المحبّة ووشائج الودّ.
منذ أن كانت في الثانوية، وفي سنتها الأخيرة، أحبّها، وهي كذلك، انشرح قلبها له، فما أن نالت شهادة الثانوية العامة فبعد مرور ثلاثة أشهر فقط ، قررت هيام أن تتزوج من سعيد، طموحها في العلم لم يتعدّ حدود المرحلة الثانوية، فلم تكن تصبو لنيل شهادات أكثر، يكفيها أن تكون ربّة منزل صالحة، وزوجٌ يعتني بها ويحبّها، وهذا كافٍ لأن تكون سعيدة.
أمّا سعيد، فقد كان يعمل في مصرفٍ تجاري، حين تعرَّف عليها، فهو حائزٌ على شهادةٍ في الاقتصاد، لديه أخ واحد متزوج ومقيم خارج البلاد، وسعيد كان في تلك الفترة يبحث عن شريكة العمر، يرتعش لها فؤادهويخفق لها وجدانه.
يومها، وكان ذالك قبل ثمانٍ ونيّف من السّنين، وعندما كان متوجهًا الى البيت، بعد يوم عمل، وإذ به يراها في دكان ملابس، كانت الزبونة الوحيدة في الدُّكان، هذه المرة كانت الأولى التي يراها بها، كانت في الدكان بغية شراء ملابس للعيد،وهو كذلك، منذ أن رآها أحسَّ بأنّه يجب عليه أن يتقربَّ منها أكثر، ويتعرّف عليها أكثر، وهي كانت تشعر بالخجل من نظراته تجاهها، فبادر بسؤالها، وبدت على ملامح وجهه الجدّية، طلب منها هاتفها فأعطته، فهي لم تمانع على التعرف عليه، فكانت هيام في السنة الأخيرة من الثانوية، وكانت تختلط في رأسها أفكار عن الزواج والحبّ والأمومة، إلى أن صادفته.
في أحد الأيام رنَّ جرس هاتفها، فردّت ..وكان على الخطّ ..وتحدثا، وكلُ ذلك لم يتعدَ مكالمات، فهي لم تسمح لنفسها أن تقابله ولو مرة واحدة، دون أن يكون هنالك رباط رسمي يُوحّدهما، شعرت هيام من نبرة حديثه بأنّه جديٌ في كلامه، وهو كذلك، فبعد مرور أيام عديدة، كانا فيها يتبادلان الحديث على الهاتف، قررت هيام أن تقابله، وفي مكان عامّ، وهذا ما حصل، تمَّ اللقاء، وعرفت هيام عنه الكثير، وكذلك سعيد، إلى أن أتى اليوم الذي فيه تزوجا.
مرّت سبع سنوات على زواجهما، دون أن تنجب أولادًا، إلى أن حصل ما حلما به طويلا، ففي احد الايام أخبرت هيام زوجها بأنّها حامل، الجنين يتحرك في أحشائها، يا للفرح الذي يعُّم قلبَ هيام وسعيد، فالمولود الجديد سيأتي وبعد طول انتظار، ولدًا كان أم بنتًا، المهم أنّه سيأتي إلى الحياة، إلى هذه الدنيا.
أنجبت هيام بنتًا، ابنة في غاية السِّحر والجمال، ولكن ما حدث لهذه الطفلة، جعل من جمالها ينقلب همًا وكآبة، سوزان، هذا ما كان اسم البنت، حسب ما أراده سعيد، ولكنَّ سوزان فارقت الحياة، كان قد مرَّ عامٌ واحدٌ فقط على ولادتها، يا لتعاسة حظّها، الفرح الذي كان يعمُّ أرجاء البيت، ها إنّه الآن يتحول إلى شظايا حزنٍ مبعثرة، فالمشاكل التي كانت تعانيها الطفلة في رِئتيها، هي التي جعلتها تفقد الحياة في عامها الأول.
غابت الابتسامة، وتلاشى الفرح، مع غياب سوزان، هي كانت البهجة، والآن سعيد وهيام يذرفان دموعًا على وداعها، والآهات ترتسم على شفاههما.
ولكنَّ الأمل ظلَّ قائمًا في قلب هيام، وكذلك سعيد، هي ما زالت صغيرة، تستطيع بعد أن تُنجب أولادًا، لم تتردد هيام في أن تُجري فحصًا تُتطمئن نفسها به، فيما هل ستنجب أولادًا بعد أم لا، وما كان الامر مفاجئًا، الأمر الذي حلَّ عليها كالصاعقة، هو الخبر الذي تلقّته يوم ظهرت نتيجة الفحوصات، حالة هيام كانت نادرة وغريبة من نوعها، تبينَّ أنّه لا احتمال لها أن تُنجب بعد أولادًا، ، فسوزان كانت الاحتمال الأول والأخير لأن تُنجب، وبعدها بات الامل ضعيفًا جدًا، حسب ما أورده الأطباء، حالتها تستعصي حتى امام الطبّ الحديث.
شعرت هيام في تلك اللحظة أنَّ الموت أرحم لها من أن لا تُنجب بعد أولادًا، وسعيد ماذا سيكون موقفه، دائمًا كان يتمنى الولد من صميم قلبه، وما أن حلَّ على الدنيا حتّى غاب، وهي الآن، وفي حالتها التي لن تجد علاجًا لها، حسب تقييم الأطباء لحالتها النادرة من نوعها، هكذا كُتب لها أن تُحرم من طعم الأمومة.
لم يكن من عادة هيام أن تُخفي أمرًا على زوجها، فما أن قالت له من أنّها تعاني من مشاكل صحية، ستقف حائلا بينها وبين الانجاب ، حتّى شعر بالاستياء لِما سمع، أَيرضى أن يعيش العمر دون ولد، وهو من حلم بذلك طيلة سنوات، ليتها لم تقل له ذالك، ليتها ظلّت صامتة، هكذا كان يقول سعيد في قرارة نفسه.
كيف سيحتمل بعد اليوم العيش مع امرأةٍ لا تُرزق بأولادٍ، حتمًا سيتبخّرالحب من حناياه ، وسيُمحى من قلبه، ومآله سيكون الزوال، أتنسى هيام كم من مرةٍ كان يردد الطلاق على لسانه، قبل أن تُنجب له سوزان، اعتقادًا منه أنَّ الأمر تقرره بيدها، ولو اضطرَّ الأمر أن يتعدى على مشيئة الله، لما رأى حلاً إلاّ في ذلك، إن كان الأمر يتعلق بابنٍ تدوم له كلّ الحياة.
بعد ما أخبرته زوجته بالحقيقة القاسية، حسبت هيام أنّه سيتفهمها، سيؤازرها، ولم تتوقع البتّة منه أن يحرق قلبها، ويزرع فيه ألمًا آخر بعد جروح قلبها الكثيرة.
بدلاً من أن يكون المؤاسي لها، ومُخفِّف الأحزان، ها إنّه الآن لم يتوانَ عن الزواج مرةً أخرى، نسي السنين الجميلة التي قضاها مع هيام، يا لبؤسها وشقاءها، كُلُّ شيءٍ لها من الحياة، غاب عنها، وسعيد يريد ولدًا، مهما كان الثمن غاليًا، حتّى لو كان الثمن دموعها وتنهداتها، فلتبكي قدر ما تريد، فهو مصممٌ على فكرة الزواج، وهكذا فعل.
ومشاعرها فلتبق لها، الآن لا يحتاجها، حبه لها قد استحال ألمًا وقهرًا وتعاسة، ويومًا عن يوم بعد جفاء زوجها لها، والقدر، تتمنى لو لم تكن، لو محا الزمان ظِلَّ وجودها، فلماذا يبقى بعد حطام امرأة، قد أذاقها الدهر من البؤس والقهر الشيء الكثير.