الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 01 / نوفمبر 00:01

حبٌ كانَ وما زال - بقلم: فؤاد خوري


نُشر: 19/05/08 17:14

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

  إنّه الآن يشعر أنَّ حياته لم تعد تُطاق معها، يذكر يوم تزوجّها كم كان يحبها، الآن هو يشعر أنَّ لا قيمة لحياته، فبعد ثلاث سنوات من زواجه بها، يشعر أنَّ هنالك أمورٌ كثيرة قد تغيرت، الحب الذي جمعه وإياها في السابق، لم يعد الآن يحمل نفس اللون والمعنى، أمورٌ كثيرة كان يجهلها في السابق عن زوجته نسرين، وها إنّه الآن يكتشفها، يكتشف إنسانةً بمواصفاتٍ جديدة، لا بتلك المواصفات التي كانت تتمتع بها يومًا.
  أنّه الآن ولم يمّر على زواجه بها سنوات عديدة، يشعر بالملل، لا بالسعادة، يشعر أنَّ هنالك مؤامرة تُحاك ضدّه، وما كان يثير الشكّ في نفسه، هو أن تكون تلك المؤامرة من صديقٍ غالٍ على قلبه، رفيق، اسمٌ لمع في حياته، وهو من طاب له رفيق صديقًا، طيلة سنوات كثر، كيف له الآن أن يخال عنه ما هو سيء بحقه.
  تصرفات زوجته في الآونة الأخيرة لم تكن تعجبه، مع أنّها لم تعامله إلاّ بكلِّ ودٍ وإخلاص، أحبته ودومًا شعرت معه بلحظات الغبطة والسرور، تلك السعادة التي أرادت أن تكون كبيرةً لتفاجئه بها، أظهرت له دومًا محبتها، ولكن هو كان له رأيٌ مغاير في الموضوع، لم يخل مثل ما هي حسبت، ومن الطبيعي أن تتراود الشكوك إلى عقله، ويُنبئه قلبه بأمورٍ تحدث وهو غائب الذهن عنها، حاضرٌ لها ولكن أيّما حضور، فأشياء كثيرة ربّما تحدث وهو يجلس مطمئنًا كعادته، وكثقته العمياء بزوجته، التي لا بدَّ أنّها الآن تتحايل عليه بطرقها، لتوهمه أنّها تُكنُّ له الحب والإخلاص، وأنّه الرجل الوحيد في حياتها، كم أصبحت الآن غريبةً في نظره، فهو لم يعهدها بالصورة التي آلت إليها الآن في نظره، كم أحسَّ بالندم لأنه اختارها أن تكون شريكة حياته، فهو أبدًا لا يستحقها زوجةً له، ولكن ماذا ينفع الندم الآن، ما حدث قد مضى عليه ثلاث سنوات، هو لن يبقى صامتًا مكتوف الأيدي إزاء ما يُحاك من وراءه، سوف يثور عليها ويكتشف منها ما كانت قد خبأته عنه، سوف تُفصح عمّا ارتكبت، ولو كان رَغمًا عنها، لن يجعل الأمر رهين النسيان.
  إنّه الآن يراها كما لم يعرفها من قبل، فدائمًا تكون مشغولة، دومًا تساءل ما الذي يشغلها ويستحوذ من تفكيرها، أتُراها تُخطط لشيء ما نحوه، أتُراها ترسم خطةً لحربٍ ستشنها عليه.
  إنّه الآن خائف أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، وهي ما زالت تشعر بالفرح وكلِّ ما هو جميل في الحياة، دومًا ترسم الابتسامة على شفتيها، فيا حبّذا لو يتسّم بها ويتفاءل مثلها، معاملتها اللطيفة تجاهه تثير في نفسه قلقًا، أيُعقل أن تكون خدعةً منها، وهو من تظّنه مُعّدٌ لأوقات الفراغ، أفكاره ما زالت تأخذ حيزًا ونطاقًا أوسع يومًا بعد يوم، ومع كل يوم يمّر عليه يلحظ تطوراتٍ تطرأ على حياته ومعها،  يدرك كم أخطأ حين اختارها زوجةً له، هو الآن لا ينسجم معها، ولكن ذنبه انّه أحبها، أوَ ينسى الأيام الجميلة التي قضوها سويةً، أمِنْ أجل مشكلةٍ يمحي كل الذكريات الجميلة ويجعلها تُطوى كصفحة النسيان.
  في يوم من الأيام، دخل البيت ورآها تتحدث بالهاتف، فبدأت الشكوك تساوره، لكنَّها كانت تتحدث مع نجاح صديقتها، وليس مع احدٍ آخر، احمرَّ وجهه خجلاً حين أدرك انّه أخطأ بحقها وظلمها حين ظنّها تتحدث مع احدٍ آخر بالهاتف، ولكنّه لم يندم، إذ أنّه وفي أحد المرات التي فيها كان في جولةٍ في سيارته لأغراض تخص الشركة التي يعمل بها، وإذ به يتفاجئ حين يرى زوجته مع رفيق صديقه يتجولان في إحدى المجمعات التجارية، كم ذُهل وأراد في تلك اللحظة أن ينتقم منه ومنها، أراد أن يعرف لماذا تفعل به هذا، وصديق عمره، أيكون ناكرًا عهد الصداقة والألفة، لن يحتاج بعد لتفسير من أيِّ أحد، فما رآه كافٍ لأنْ يصدق المؤامرة التي يدبرها صديقه وزوجته، كافٍ لأنْ يظّن أنهّم يودون التخلص منه، ليحظوا في النهاية بكل شيء، وهو سيكون في عداد الموتى، كل هذه الأفكار توالت على ذهنه دفعةً واحدة في لحظة واحدة،  لم يصدق كيف أنَّ الإنسانة التي أحبها وأحبته وأعطته من حنانها، إنّها الآن تخدعه، يا ليتها لم تكن كذلك، فهي بهذا صدمته مرتين، ولم تمهّد له الطريق لذلك، مفاجئة كان حتفها خيبة أمل، وضياع أحلامٍ، وهو مجرّد حالمٍ بغدٍ أفضل.
ولكنّه منذ الآن، سيكون كمن لم تعرفه يومًا، فالخيانة في نظره أصعب عليه من أن تؤذيه أمام عينيه، لن يحتمل منها جرحًا وألمًا، وصديقه سوف يتبخر كحطام الرماد من حياته، ولكنه لن يفلت منه دون عقاب، سينتقم ويثأر، فلا مبرر أمام ما رآه، حتّى وإن لم يتحقق جيدًا من الأمر، فلا حاجة بعد لذلك، يكفي أنّهما رآهما سويةً، ليقطع الشك باليقين، ويكفّ عن كونه خرقةً يتلاعب الجميع بها كمن لا وزن لها ولا أهمّية.
  مزمعٌ هو أن يقتل صديقه أولاً، وبعده يتفرغ للانتقام منها، في احد الأيام ذهب ماهر ورفيقه في جولة استطلاع إلى إحدى المباني السكنية، بعد أن وصلوا تحدثا مع بعض قليلاً، وذهب ماهر إلى السيارة وأتى بمسدس كان قد اشتراه خصيصًا لهذه المهمّة، بعدها أطلق الرصاص على صديقه، فمات رفيق بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة، الرفيق الذي كان يومًا، ولكن الآن هو في نظره خائن وغدّار وموتًا يستحق.
  بعدها توجه البيت، وإذ به يُفاجئ عند دخوله، فالأنوار جميعُها مطفئة، فما أن دخل البيت، حتّى أضيئت الأنوار، والتفَّ عدد كبير من المدعوين حول مائدة مليئة بما لذَّ من الطعام وما طاب، كلُّ هذا الوقت الذي رأى ماهر نسرين مشغولةً، كانت تحضّر لهذا اليوم، ولهذه المفاجئة، لكي تخبره أنّها حامل بعد أن انتظر سنتين بدون أولاد، ها إنّها في هذا اليوم تخبره أنّها حامل، مُعِدَةً جميع أنواع الأطعمة، بل وأحضرت راقصين وعازفين، ففرحةٌ كبيرة تعمُّ البيت.
  وهو الذي ظنّها أنّها كانت تخدعه كلَّ هذا الوقت ، وهي في الحقيقة كانت تحضّر كيف ستفاجئه وتنقل له هذا الخبر السّار، كم ظلمها، وظلم رفيق أيضًا رفيقه، بل وقتله، وهو عندما رآها معه في إحدى الحوانيت، لم تكن إلاّ بهدف التخطيط مع صديقه لهذه الحفلة، لهذا اليوم، ولهذه المفاجئة.

مقالات متعلقة