للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
فلسطين..ما بين "التقسيم الأممي" و"التقسيم الفلسطيني"...!
"كانت حياة العبرانيين في فلسطين تشبه حالة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار، ومن البدء حتى النهاية لم تكن ممتلكاتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسوريا وآشور وفينيقيا ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم". المؤرخ البريطاني ج.هـويلز "موجز التاريخ". صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/1947، على مشروع القرار 181، والذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وتدويل القدس. صدر القرار نتيجة الجهود المكثفة التي بذلتها الصهيونية العالمية، مدعومة بالقوى الاستعمارية الكبــرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وشملت هذه الجهود الضغوط السياسية والاقتصادية على أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والرشاوى المادية التي قدمت لهذه الدول ورؤساء وفودها، كما ورد في مذكرات الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان.
منح القرار اليهود الذين كانوا يبلغون في ذلك الوقت (608225) شخصاً الأراضي الخصبة في منطقة السهل الساحلي الفلسطيني والمدن الساحلية الهامة، حيفا، عكا، يافا، ومناطق الأغوار الشمالية التي تعد خزان المياه الطبيعية للأراضي الفلسطينية (بحيرة طبــريا ـ روافد نهر الأردن)، إضافة إلى مناطق النقب، والمنافذ البحرية على البحر الميت والبحر الأحمر.
وبالنسبة للفلسطينيين الذين بلغ عددهم آنذاك (1227274) نسمة، يملكون 86% من أراضي وعقارات فلسطين، فقد خصص لهم بموجب القرار مناطق في الجليل والمثلث وما بات يعرف اليوم بالضفة الفلسطينية إضافة إلى مدينتي بئر السبع واللد، وقطاع غزة وجزء من صحراء النقب. القرار رفضه اليهود، بالرغم من انحيازه الواضح تجاههم، وفور صدور القرار، باشرت العصابات الصهيونية بتنفيذ الخطة القاضية بتهجير السكان الفلسطينيين من القسم اليهودي الذي نص عليه القرار 181، والذين كانوا يشكلون أكثر من نصف سكان هذا القسم، ويمتلكون أكثر من ثلثي الأراضي والعقارات، فارتكبت العصابات الصهيونية ـ التي تشكلت من عناصر محترفة قاتلت في صفوف الجيوش الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، وتأمن لها تسليح جيد ـ مجازر رهيبة بحق الفلسطينيين بغية دفعهم إلى الهجرة وترك أراضيهم في القسم اليهودي، وتحديداً من المدن والمناطق الساحلية، وهو ما أدى إلى نشوء قضية اللاجئين واضطر مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى ترك أراضيهم وممتلكاتهم واللجوء إلى الأقطار العربية المجاورة، وإلى المدن والبلدات الفلسطينية الأخرى. ونتيجة لسياسة الكيل بمكيالين، التي استخدمتها الأمم المتحدة والدول الكبــرى في ذلك الوقت، حرم الفلسطينيون من كيانهم/ دولتهم، والتي نص عليها القرار 181، بحيث عطل الشق الثاني من القرار الذي نص على استقلال الدولة العربية ووضع دستور لها. واستمرت إسرائيل نتيجة لذلك بنهب الأراضي العربية وتهجير سكانها، لتستكمل احتلالها لكل الأراضي الفلسطينية وأجزاء من الدول العربية المحيطة في عدوان 5 حزيران عام 1967..
يعد قرار التقسيم في الفقه الدولي – وخاصة السائد حين صدوره – توصية غير ملزمة صدرت وفقا للمادة العاشرة من الميثاق. وهذه التوصية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ومن عجب أن (إسرائيل) وحلفاؤها إذ يتمسكون بهذا القرار- التوصية- ويضفون عليه صفة الإلزام القانوني المطلق، لا يقيمون وزنا لأي من قرارات الجمعية العامة اللاحقة الخاصة بفلسطين وشعبها وحقوقه الثابتة مدعين أنها مجرد توصيات لا إلزاما قانونيا لها..! إن هذا القرار رغم إجحافه وظلمه للشعب الفلسطيني إلا أن الأمم المتحدة لم تستطع تنفيذه بسبب المعارضة الصهيونية له. فالمطامع الصهيونية لم ترض بأن يكون لها أكثر من نصف فلسطين رغم أنهم يومها لم يكونوا سوى أقلية صغيرة داخل فلسطين. واليوم وبعد صدور مئات القرارات من الأمم المتحدة لصالح الشعب الفلسطيني تبقى الأمم المتحدة أضعف من أن تنفذ قرارا من قراراتها المتعلقة بفلسطين، وذلك لأن أمريكا الدولة العظمى التي كانت خلف استصدار القرار 181 لصالح المشروع الصهيوني ما زالت تسيطر على الأمم المتحدة وتمنع تنفيذ بقية قراراتها التي فيها نوع إنصاف للشعب الفلسطيني.
لكن، لأنّ الوجود الصهيوني في فلسطين قام على باطل واريد أن يلد دولة لا اساس شرعيا لها من زاوية القانون الدولي الذي لا يعطي حق تقرير المصير الا للشعب الاصلي في البلد المعني، وليس لمهاجرين استوطنوا بقوة السلاح وتحت حراب الاستعمار، كان لا بد من ان يتعلق مخطط اقامة الدولة العبرية بخيوط العنكبوت (قرار 181).
ومع ذلك لم تعلن قيادة الوكالة اليهودية (قيادة المشروع الصهيوني في حينه) اعترافها بقرار التقسيم المذكور او التزامها بتطبيقه، وانما استندت اليه باستخدام العبارات التالية: "صدر قرار 181 لعام 1947 عن هيئة الأمم المتحدة اعترف للشعب اليهودي باقامة دولته على ارض اسرائيل" وهذا بالطبع ليس اعترافا بالقرار وانما استخدام لجزء منه لا اكثر...!
ومن هنا فمن الضروري، بهذه المناسبة، التأكيد على دحض تلك المقولة الواهمة الجاهلة، والتي ما زال يرددها كثيرون، بالقول: "الفلسطينيون والعرب لو قبلوا بقرار التقسيم 181 لعام 1947 لما حدثت النكبة، ولبقي الفلسطينيون في بيوتهم وقراهم ومدنهم واراضيهم، ولما هُجّروا (900 الف او اكثر من اصل مليون ونصف)، ولا اقاموا دولتهم الفلسطينية على 46% من ارض فلسطين التاريخية". الذين يرددون هذه المقولة جهلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، اذا ما قالوها عن قناعة وحسن نية. اما اذا قالوها وهم يعلمون انها فرضية وهمية لم تكن قابلة للتحقيق اطلاقا فإنّ دحض تلك المقولة يسهم في ابطال التضليل والمقصد الخبيث، لأنّ فيه تحميلا للفلسطينيين والعرب مسؤولية النكبة.
الآن؛ لماذا يوصف الذين يرددون تلك المقولة عن قناعة وحسن نية بالجهل والجهالة ممزوجين بالسذاجة؟ الجواب، ببساطة، ما كان من الممكن ان تقوم الدولة العبرية وفقا لمنطوق القرار (التوصية) رقم 181؛ لأن الدولة العبرية لا تقوم الا على سلب الارض وتهجير اصحابها. اذا كانت الدولة العبرية وبعد 59عاما لقيامها ضائقة بوجود فلسطينيين مناطق الـ 48 اي اقل من 20% من سكانها، اذ ما زال تهجيرهم طوعا او كرها - تدريجيا وجماعيا- على الاجندة؛ فكيف يتصور عاقل ان القيادة الصهيونية عام 1947/ 1948 كان يمكن ان تقبل بقيام الدولة العبرية على 54% من ارض فلسطين، والعرب فيها، تقريبا، أكثرية او سيصبحون في اقل من خمس سنوات؟ وكيف يمكن ان تقوم تلك الدولة وملكية اراضيها والعقارات القائمة تحتها بنسبة تزيد على90% للفلسطينيين؟
هذا يعني ان قرار التقسيم لم يصدر إلاّ فقط لاعطاء "الشرعية" لاعلان اقامة "دولة اسرائيل" ولم يقصد منه التطبيق او الحل اللذين يتناقضان مع قيام تلك الدولة التي يراد لها ان تكون يهودية. فيما الأكثرية سكانا وملكية ارض وعقار ستكون عربية مهما تعاظمت الهجرة حيث لا ارض ولا مكان اذا لم تُصادر الارض وتُخلى المدن وتُهدم القرى. ومع ذلك لو حدثت لفقدت الأكثرية السكانية بعد حين. من يجادل في هذه الحقيقة جاهل بأهداف المشروع الصهيوني في اقامة الدولة وشروط ذلك. اما القضية الثانية، التي لا تقل اهمية، فمتعلقة بميزان القوى العسكري والاقليمي والدولي الذي يسمح للقيادة الصهيونية بشن الحرب وفرض التهجير القسري والتوسع في الارض كذلك. فكيف يمكن ان يتصور عاقل ان قادة المشروع الصهيوني سيقبلون بقرار التقسيم حتى لو سجد له الفلسطينيون والعرب سجودا، وبيد الإسرائيليين القدرة العسكرية لفرض قيام "الدولة" مع تهجير حوالي 900 الف فلسطيني وسلب اراضيهم وبيوتهم. ولم يبق غير حوالي 150 الفا فلتوا من التهجير لأسباب بعضها "دولي" وبعضها عن طريق "الخطأ" الاجرائي الذي كشف عنه بعض المؤرخين الاسرائيليين الجدد.
كان جيش "الهاغناه" في ذلك الوقت اكثر عددا وافضل تسليحا بثلاثة اضعاف,، على الاقل، عن الجيوش العربية التي دخلت فلسطين في حينه. وهذا ما اثبته مجرى الحرب والمعارك شمالا ووسطا وجنوبا. ويمكن القول لولا خوف بريطانيا واميركا وفرنسا من ردة الفعل العربية والاسلامية في حالة سقوط القدس الشرقية وضياع كل فلسطين لكانت القوة العسكرية الصهيونية قادرة على عدم الاكتفاء باحتلال (تنظيف) 78% من فلسطين فقط. اي التوقف عند خطوط هدنة 1949، فبقاء هذا الجزء من فلسطين اريد منه ان يخفف من هول النكبة عربيا واسلاميا. علما ان امبراطورية بريطانيا ومناطق نفوذ فرنسا كانتا في أكثريتهما عربية واسلامية.
يضاف الى ما سبق الاجماع الدولي الذي تحقق مع انضمام الاتحاد السوفياتي لقرار التقسيم والوقوف الى جانب قيام دولة عبرية ودعمها حتى بالسلاح (التشيكي)؛ فكيف يمكن للقيادة الصهيونية التي تملك القدرة العسكرية الى جانب التأييد السياسي والمعنوي والعسكري الدولي، فضلا عن حالة عربية واسلامية مجزأة وتحت السيطرة البريطانية والفرنسية ان تقبل بتنفيذ "قرار التقسيم".
الامر الذي يتكشف عن جهل مضاعف من جهة الذين يتبنون تلك المقولة الخرقاء، التي تلوم الفلسطينيين والعرب على عدم اعترافهم في حينه بقرار التقسيم والقبول بتنفيذه، انه جهل حقيقي في فهم اهداف المشروع الصهيوني واستراتيجيته حين يمتلك التفوق العسكري والتأييد الدولي (والضعف والتجزئة عربيا واسلاميا)، فيظن انه كان من الممكن تطبيق قرار التقسيم لو قبل به العرب والمسلمون، وقبلهم الفلسطينيون.
بالمناسبة لو قبل الفلسطينيون ذلك القرار لاعطوا الشرعية لقيام الدولة العبرية مجانا، مع تهجيرهم وسلب اراضيهم، اي لكسب المشروع الصهيوني "الحسنيين" بالتأكيد:ما حدث من تهجير واستيلاء على الارض (ما اسهل افتعال الحرب والاشتباكات) والثاني انتزاع الشرعية من اصحاب الشرعية اي من الشعب الفلسطيني. تمر علينا الذكرى الستون لقرار التقسيم وقضيتنا تعصف بها حالة من التشرذم لم تشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني..فاذا نحن الآن نتحدث عن هذا القرار الظالم بحق قضيتنا وشعبنا نشهد ونعاصر تقسيما جغرافيا بين ما تبقى من الوطن الجريح..لقد قامت حماس بحسمها العسكري المرفوض بفصل غزة عن الضفة الغربية, وان كان واضحا بانها استبقت التيار الانقلابي في فتح الذي كان يهدف للسيطرة على غزة وسحق حماس تنفيذا لبنود اتفاقية اوسلو المشؤومة والتي مهدت الطريق للاقتتال الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس.
وأما مؤتمر الشؤم"انابوليس" والذي يسمى بمؤتمر السلام في الشرق الاوسط, فجاء لتصفية ما تبقى من قضيتنا الفلسطينية وتهرول الفلسطينيون والعرب نحوه وللأسف. وهنا أود أن أقول أنه ليس من قبيل الصدفة أن يقوم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بالدعوة لعقد مؤتمر أنا بوليس قبل ميعاد الذكرى الستون لقرار التقسيم بيومين , وهو اليوم الذي اعتبرته الأمم المتحدة باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني , لكأن الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس بوش يريدون أن يتوجوا الجهود الأمريكية الداعمة لإسرائيل بتحويل اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني إلى يوم عالمي للتضامن مع المغتصب الصهيوني للأرض الفلسطينية.
فالإدارة الأمريكية التي تسعى بكل ثقلها لنصرة إسرائيل على حساب العرب والفلسطينيين, لن تكون يوماً حيادية , وستبذل كل جهد مستطاع من أجل قلب الحقائق , وإعاقة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
فهل في ذكري التقسيم وفي يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني سنكون أكثر تلاحماً ووحدة , أم سنقوم بتقسيم المقسم وتجزئة المجزئ ما بين غزة والضفة؟
وهل يا ترى ستتمكن الأمم المتحدة من فرض قراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية على إسرائيل وحلفائها في المنطقة إحقاقاً للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؟
وكلمة اخيرة اوجهها الى قادة حركتي حماس وفتح: عودوا الى رشدكم والى طاولة الحوار والمفاوضات, فأنتم ومهما كبرتم ستبقون اقزاما امام من هو اكبر واعظم منكم..وطننا فلسطين كل فلسطين...!
**تم الرجوع لبعض المصادر.