من هو دون كيشوت؟!


نُشر: 22/07/06 15:42

1- لقد طاب لأحد الناطقين الرسميين الإسرائيليين أن يصف خلال لقاء له في قناة الجزيرة سلوكيات المقاومة اللبنانية بأنها سلوكيات ( دونكشوتية) على اعتبار أن المؤسسة الإسرائيلية هي القوة العسكرية العظمى العالمية، والمقاومة اللبنانية هي قوة ضائعة وتكاد لا تبين مقارنة بقوة المؤسسة الإسرائيلية، ولذلك فإن محاولة المقاومة اللبنانية لمواجهة هذه القوة الإسرائيلية هي مغامرة خاسرة أصلا، وهي محاولة ( دونكشوتية)، نسبة إلى الشخصية العبثية ( دون كيشوت) التي برزت في إحدى الروايات الأدبية الغربية، والذي ظن نفسه أنه قادر على كل شيء وحاول أن يقاتل طواحين الهواء، وبطبيعة الحال كان من المخدوعين والخاسرين والعابثين، وما حال المقاومة اللبنانية - وفق رؤية هذا الناطق الرسمي الإسرائيلي - وهو يواجه القوة الإسرائيلية إلا حالة مطابقة لحال ( دون كيشوت ) المخدوع الخاسر العبثي وهو يواجه طواحين الهواء، وللحقيقة أقول عندما سمعت هذا الناطق الرسمي الإسرائيلي تساءلت في نفسي فورا: من هو ( دون كيشوت ) حقيقةً ؟! أهو المقاومة اللبنانية أم المؤسسة الإسرائيلية ؟! ثم رحت أقلب الأمور على جناح السرعة فوصلت إلى قناعة لا شك فيها أن المؤسسة الإسرائيلية هي حقيقةً ( دون كيشوت ).

2- نعم إن المؤسسة الإسرائيلية هي حقيقةً ( دون كيشوت ) لأنها هي المؤسسة التي ظنت نفسها قادرة على شيء ، وأنها قوة لا تُقهر ، وأنها صاحبة الذراع العسكرية الطويلة، وأنها الأكثر أموالا وبنين ونفيرا من كل المسلمين والعرب مجتمعين، وأنها الأقوى سلاحا والأشد بأسا والأقدر بطشا من غيرها، وأنها لا تنافس في كل ذلك، وأنها التي تملك القدرة على بسط نفوذها على كل الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، وتملك القدرة لإخضاع بقية قارة آسيا وأفريقيا لسيادتها، وتملك القدرة لتسيير العالم الأوروبي بشقيه الشرقي والغربي لأوامرها ونواهيها وسائر توجيهاتها، وتملك القدرة لرسم السياسة الأمريكية ومسار الشعب الأمريكي وفق مصالحها، وتملك القدرة لوضع بقية أهل الأرض تحت كنفها ووصايتها !! ومن هي شعوب الأرض كلها أصلا وان كانت مليارات بجانب الشعب الإسرائيلي وان كان مجموعة ملايين؟! ولا أبالغ ولا أظلم أحدا إذا قلت أن الذي يتابع تصريحات قيادات مختلفة في المؤسسة الإسرائيلية يجدهم أنهم قد أشربوا في قلوبهم كل هذه الأفكار وباتوا يتصرفون ويصرحون على اعتبار أن كل هذه الأفكار هي قناعات لديهم لا تقبل الجدال ولا الطعن ولا التشكيك!! ولذلك من حقي أن أقول مرة بعد مرة أن المؤسسة الإسرائيلية لأنها قد أُشربت في قلبها وعقلها كل هذه الأفكار فهي حقيقة (دون كيشوت) وليس غيرها !!

3- ولذلك إن الذي يتابع المؤسسة الإسرائيلية اليوم من خلال تصريحات وسلوكيات مسؤوليها يجدها تسعى جادة لتصفية حساباتها فورا مع كل من إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ، طامعة بإجهاض المقاومة الفلسطينية واجتثاث المقاومة اللبنانية ومصادرة قوتها ونزع السلاح منها وتحويلها إلى عناصر مطاردة لا تدري إلى أين الفرار ، وطامعة بتفكيك سوريا وتمزيقها إلى أكثر من دويلة ، وطامعة بتوجيه ضربة استباقية إلى إيران للإجهاز على مشروعها النووي ، وان الذي يحمل في رأسه كل هذه الأفكار ويظن أن بمقدوره القيام بها ، ويظن أن بمقدوره كسر إرادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية بواسطتها ، ويظن أن بمقدوره الحفاظ لوحده بالتفرد بالقوة العسكرية أبد الدهر ومن حوله محيط إسلامي عربي ، إن الذي يحمل كل هذه الأفكار كقناعات في رأسه ويواصل القيام بها في نفس الوقت انه (دون كيشوت) ولذلك لا أتردد أن أقول لأن المؤسسة الإسرائيلية تحمل كل هذه الأفكار كقناعات واستراتيجيات وتواصل التحرك على ضوئها لأنها كذلك فهي مما لا ريب فيه نموذج فاقع (لدون كيشوت).

4- ولأن المؤسسة الإسرائيلية باتت تدمر الحجر والشجر والمسكن والإنسان في كل من فلسطين ولبنان ، ولأنها استباحت لنفسها تحريك قواتها الجوية والبرية والبحرية ومواصلة قصف كل شيء في فلسطين ولبنان دون مراعاة لأية حرمة أو عهد أو ميثاق أو قانون ، ولأنها باتت في نفس الوقت تحاول بشتى الوسائل صرف وإبعاد وسائل الإعلام وإفشالها كي لا تنقل صورة جرائم المؤسسة الإسرائيلية اليومية في فلسطين ولبنان ، ولأنها باتت تظن مقتنعة أنها تقدر على ذلك بمعنى أنها باتت تظن أن بمقدورها أن تدمر وأن تحول دون وصول جرائم دمارها إلى أهل الأرض عبر وسائل الإعلام ، لأنها كذلك فما عاد لدي شك أننا إذا أردنا أن نشير بأصابعنا إلى (دون كيشوت) المعاصر فإنه لن يتقدم أحد على المؤسسة الإسرائيلية فهي بلحمها وعظمها (دون كيشوت) المعاصر مما لا شك فيه .

5- ولأن المؤسسة الإسرائيلية لا تزال تواصل ممارسة نهجها الاحتلالي بقوة السلاح عبر عشرات السنوات الماضية ، ولأنها خلال ذلك قتلت مئات الآلاف وجرحت مئات الآلاف وفجعت مئات آلاف الأرامل وشردت مئات آلاف الأيتام وأسرت عشرات آلاف الأسرى ، ولأنها قامت بكل ذلك عن سبق إصرار مستبيحة كل الأعراف الدولية عن سبق إصرار ، ولأنها رغم ذلك لا تزال تتحدث عن الأعراف الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة ، وباتت تطالب بتطبيقها وكأنها الواعظ الصادق والناصح الأمين الذي يدعو كل أهل الأرض للالتزام بهذه الأعراف والقرارات ، ولأنها على سبيل المثال باتت تدَّعي أنها لن توقف إطلاق النار على لبنان إلا إذا إلتزمت لبنان بقرار( 1559) الصادر عن الأمم المتحدة ، لأن المؤسسة الإسرائيلية باتت تمارس كل ذلك موهمة نفسها أن أهل الأرض قد ينسون أنها مؤسسة احتلالية وأنها مؤسسة عنصرية وأنها مؤسسة ضربت بعرض الحائط كل القرارات الدولية التي صدرت في حقها تدينها أو تطالبها بالانسحاب أو تدعوها إلى وقف الاستيطان ووقف بناء جدار الفصل العنصري ، ورغم ذلك تنكرت لكل هذه القرارات وداست عليها وسخرت منها وتحدت كل الجهات والأشخاص الذين أصدروها ، ولأن المؤسسة الإسرائيلية تظن نفسها قد أفلحت في هذا الدور وأنها نجحت بغش أهل الأرض علما أن عورتها باتت مكشوفة للقاصي والداني ، لأنها كذلك فإن مما لا شك فيه أنها تعتبر النموذج الأسطع لشخصية (دون كيشوت) بلا منازع!!

6- ولأن المؤسسة الإسرائيلية لا تزال تظن أنها إن نجحت بالتحكم بالرؤساء والملوك وتوجيههم وتعيينهم وخلعهم إن لزم الأمر ، فإنها بذلك ستتحكم بالشعوب وكبح إرادتها بواسطتهم ، ولأنها بناء على ذلك باتت تسعى للتحكم وكبح إرادة الشعوب المسلمة والعربية ، بل باتت تسعى للتحكم وكبح إرادة الشعوب الغربية متجاهلة أن هذه اللعبة القذرة إن نجحت يوما فإنها لن تنجح طوال الأيام ، ومتجاهلة أن الشعوب قد تسكت لسنين ولكنها لن تسكت أبد الدهر ، ومتجاهلة أن الشعوب هي الأساس الثابت وان إرادة الرؤساء والملوك هي العامل المتغير ، ومتجاهلة أن الشعوب إن نامت فنومها مؤقت وستهب لا محالة وان هبت ستنتصر لا محالة ، وان انتصرت فتقوض كل أحلام المؤسسة الإسرائيلية السوداء ، ولكن لمؤسسة الإسرائيلية لا تزال سادرة في غيها موهمة نفسها أنها ستنجح في يوم قريب بالتحكم بإرادات الشعوب ومواقفها بواسطة التحكم برؤساء هذه الشعوب وملوكها متجاهلة سنن التغيير الربانية ومتجاهلة عزائم الشعوب وهممها ، لأن المؤسسة الإسرائيلية كذلك فهي التي ستبقى متربعة على عرش (دون كيشوت) الوهمي خادعة نفسها وخادعة جمهورها ، ولكن إلى متى ؟!

7- ولأن المؤسسة الإسرائيلية باتت تفضحها ممارساتها وباتت تعكس هذه الممارسات المجنونة طمعها المجنون بإقامة الإمبراطورية الاستعلائية في كل الأرض التي تعتمد تارة على الهيمنة العسكرية وتارة أخرى على الهيمنة الاقتصادية وتارة ثالثة على الهيمنة السياسية وتارة رابعة على الهيمنة الإعلامية لأنها كذلك فإن كل التقارير تقول إن المؤسسة الإسرائيلية باتت تتبنى سياسة الامتداد العالمي وسياسة التغلغل في مصائر الشعوب ، فقد كان لها الدور الأساس في رواندا ودارفور وارتيريا وأثيوبيا وغيرها من الدول بواسطة بيع السلاح لبعض القوى في هذه الدول ، ولا يزال للمؤسسة الإسرائيلية الدور المكشوف في العراق حيث لها وجودها الذي بات علنيا في بابل وسجن أبو غريب وغيره من مناطق عراقية أخرى ، لدرجة أن صحيفة (البينة الجديدة) العراقية قد ذكرت في إحدى نشراتها أن شركة (سرسل) الإسرائيلية التي أدرجها النظام العراقي السابق على القائمة السوداء للشركات المحظورة التعامل معها ، حصلت من خلال شركة عراقية على عقدين للاستثمار في مجال التنقيب عن النفط الخام ، وأوضحت الصحيفة أن الشركة ومقرها تل أبيب ولديها فرع ثان في فرنسا حصلت على العقدين تحت عباءة شركة عراقية تدعى (أميرة بكس) يقودها ويشرف عليها فاسدون في شركة الاستكشافات النفطية التابعة لوزارة النفط وهي تنتظر الفوز بعقد ثالث ، وهذا الدكتور بشار الفيضي أحد المتحدثين الرسميين باسم هيئة علماء المسلمين في العراق يؤكد أن عناصر الموساد الإسرائيلي موجودون ليس فقط في شمال العراق بمناطق الأكراد ، ولكن في بغداد العاصمة ، مشيرا إلى انه قد تم رصد وجود عناصر إسرائيلية في مقر وزارة الدفاع العراقية ، ولعل قول الدكتور الفيضي يتفق مع ما صرحت به صحيفة ( يديعوت أحرونوت) العبرية في احد أعدادها حيث أكدت أن ضباطا سابقين في وحدات نخبوية إسرائيلية دربوا خلال السنتين الماضيتين وحدات كردية في شمال العراق على استخدام السلاح والقتال ، كما بنوا مطارا في اربيل وأقاموا وحدة كردية "لمكافحة الإرهاب" !! كل ذلك باتت تمارسه المؤسسة الإسرائيلية لأنها تحلم بإقامة إمبراطوريتها الاستعلائية في أوسع مدى ممكن من رحاب الأرض !! لكل ذلك ما زلت أقول أن المؤسسة الإسرائيلية هي النموذج الصارخ الذي يجري على خطى (دون كيشوت) شبرا بشبر وذراعا بذراع .

8- ولأن المؤسسة الإسرائيلية باتت تمني نفسها وجمهورها بموعد إقامة إمبراطوريتهم الاستعلائية ، فها هي "رهشان أجويد" زوجة الرئيس الفخري لحزب اليسار الديمقراطي "بولند أجويد" تحذر من الأخطار التي يمكن أن يشكلها " الإسرائيليون " بشرائهم الأراضي في منطقة جنوب شرق الأناضول ، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته الاثنين الموافق 13/6/2006م في مكتبها بالعاصمة أنقرة حول قانون " بيع العقارات للأجانب " وذكرت أن " الإسرائيليين " يعتبرون منطقة جنوب شرق الأناضول بلاد الرافدين التي وهبها إليهم " الرب " وأردفت : إنهم يقومون بشراء الأراضي بالمنطقة التي يعتبرونها جزءاً من إسرائيل الكبرى !! وهذه صحيفة (يديعوت احرونوت) العبرية ذكرت في احد أعدادها أن اذربيجان الدولة المسلمة التي تحد إيران قد أصبحت حديثا مركز التعاون الاقتصادي مع إسرائيل فشركات الأسلحة الإسرائيلية تمد الجيش الأذري بالأسلحة ووزارة البنى التحتية تحاول إيجاد تعاون مع أذربيجان في مسألة شراء النفط والغاز الطبيعي !! ولا أبوح بسر إذا قلت إن هذا النهج من الامتداد المغرور الذي يهدف إلى إقامة الإمبراطورية الاستعلائية إن هذا النهج من الإمتداد قد تغلغل إلى بعض الدول العربية والمسلمة بالإضافة إلى الأسماء التي ذكرتها سالفا ، وكأن الأمل الوهمي معقود لدى المؤسسة الإسرائيلية للتغلغل بواسطة الأساليب سالفة الذكر في كل الحاضر الإسلامي والعربي بهدف إخضاعه للإمبراطورية الاستعلائية بواسطة الأسلوب العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو الإعلامي !! لكل ذلك فإن مرور الأيام ما زادني إلا يقينا بأن المؤسسة الإسرائيلية باتت تجسد بلا ريب ولا شك النموذج المطابق لشخصية (دون كيشوت) ، حتى بات يخيل إليّ أنهما توأمان !! مع يقيني المطلق أن الأيام القادمة ستوضح الصورة أكثر وسينجلي كثير من الغبار عن أعين الناس وسيظهر مصداق كل ما أقول .

 

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة

توقعات الطقس للمدن
آخر تعديل: الأحد 28 / ديسمبر 13:02
جاري التحميل...
المدينة البلد درجة °c الوصف الشعور كأنه (°C) الأدنى / الأقصى الرطوبة (%) الرياح (كم/س) الشروق الغروب