ما أصل الجبر حسب الكتب العبرية

كل العرب-الناصرة
نُشر: 28/08/09 15:15,  حُتلن: 18:15

الجبر مع أل التعريف :

الجبر قبلة علوم الرياضيات، وتاج العلوم الوضعية كلها منذ أكثر من ألف عام.إسمه في كل لغات العالم، هو اسمه العربي، مع أل التعريف Algebra ، بظن غير العرب،وقد شاقهم هذا العلم فنقلوه وطوّروه،أن ال التعريف هي جزء من الكلمة. ومثل الجبر كثير من الكلمات العربية دخلت الـلغات الأجنبية بأل التعريف أيضا، مثل algorithm (وهي كلمة مأخوذة من اسم الخوارزمي صاحب الجبر نفسه . ولا يقتصر الأمر على الجبر، فكلمة "الكحول" و"الكيمياء" و"الإكسير" وغير ذلك من من أسماء واصطلاحات في علم الفلك، وفي الطب والفلسفة، كلها من أصول عربية.علوم تركها أصحابها وانشغلوا في البحث عمّا يُبطل الوضوء أكثر "الحدث الأكبر" أم "الحدث الأصغر"، فتلقفها غيرهم من الأمم، وبرعوا فيها، حتى وصلت الى ما هي عليه من اتقان ونجاعة . ولكن اذا كان الطب والفلك والفلسفة علوم تتشارك فيها أمم الأرض جميعا، يكمل بعضها بعضا، فان الجبر هو علم عربي صرف، لم يشارك الخوارزمي في اختراعه وتثبيته كعلم، واحد قبله.

 في مسارات يُغالطون!

في كتاب مسارات للصف السابع، الصادر عن "מטח" ، في اللغة العبرية وفي باب اللمحة التاريخية عن علم الجبر، وردت هذه الفقرة العجيبة الغريبة، عن أصل الجبر وأصل التسمية: "هل عرفتم؟ إن الأصل الدقيق للكلمة "الجبر" غير معروف . واحد من الافتراضات هو أن أصل الكلمة هو في اللغة العربية "الجبر"، والذي معناه الجمع". وهاكم النص العبري نفسه، بدون زيادة أو نقصان: המקור המדויק של המילה אלגברה אינו ידוע. אחת ההנחות היא שמקורה בשפה הערבית الجبر ) אלג’בר) שפירושה "חיבור" وانظروا مغالطات مسارات وتأملوا فيها جيدا: إن الأصل الدقيق للكلمة "غير معروف"، فهل الأصل الغليظ للكلمة معروف ? واذا كان أصل الكلمة - التسمية مجهولا، فما بالكم اذن بأصل العلم نفسه? لا شك أنه غارق في العتمة! "واحد من الافتراضات" هو أن أصل الكلمة في اللغة العربية، مما يوحي أن هناك كثيرا من الافتراضات غيره، تقول أن أصل الكلمة غير عربية، فما هي هذه الإفتراضات الأخرى؟ ليت الكتاب سجّل لنا بعضا من هذه الإفتراضات، لنتابعها ونناقشها. ولكن يبدو أن كاتب ذلك الكتاب، وهو يلقي الكلام على عواهنه، لا يُصدّق أن يكون أصل الكلمة عربي. شيء في داخله يمنعه حتى من التفكير في ذلك، والإقرار به . يده لا تطاوعه على كتابة الجملة كلها، بأن أصل الكلمة على الأقل عربي. فاذا به يتعمد أن يشوب جملته التشويه والمغالطة، لتصبح غير ما هي عليه، فلا تخدم الهدف الذي قيلت من أجله . والا ما الذي يخسره الكاتب لو أن أصل الكلمة على الأقل كان عربيا؟ فقط العداء المستحكم، والنفور من كل ما هو عربي أو يعود الى أصول عربية، والاستهتار الذي لا حدود له، يمنع قلم الكاتب أو لوحة مفاتيحه، من كتابة حقيقة لا يشوبها شائب، ولا يتناطح فيها عنزان، أكانا من العرب أو من العجم.

في تل حاي يندهشون!

عندما كنت أقوم بتدريس طلاب عبريين في كلية تل حاي في كريات شمونه، ذكرت لهم أن الجبر هو علم أصوله عربية، والكلمة نفسها التي يستعملونها في اللغة العبرية אלגברה هي عربية الأصل، )سواء كانت مأخوذة من العربية مباشرة أو من اللغات الغربية Algebra، فالنبع واحد وهو اللغة العربية(، نظر الي هؤلاء باستغراب،كأني أقول أن عالما من جنين وَحَّدَ القوى الأربع التي لم يستطع اينشتاين، ولا من أتى بعده أن يوحدها. وربما الحق معهم. فجنين ليست بغداد المأمون, التي أضاء نورها ظلمة العالم، والتي كان علماؤها يبحثون في حل المعادلات من الدرجة الثالثة، عندما كان الإنجليزي يتباهي بعدد الأشهر أو السنوات التي قضاها بدون اغتسال. لم يتبرع أحد قبلي من الاساتذة العبريين عناء تكليف نفسه شرح دور العرب في رقيّ علم الرياضيات. فهؤلاء يرضيهم أكثر طمس هذا الدور . وأذكر مثلا، أننا حين تعلمنا كطلاب في جامعة حيفا مساقا بعنوان "تاريخ الرياضيات " لم يول المحاضر لنتاج العرب ، الا بضعة أسطر، جعل منهم فيها ناقلين ومترجمين، في أحسن الأحوال.

 الجبر ليس الجمع!

وثمة دليل على مغالطة كاتب مسارات، أو جهله التام بما يكتب : فإن معنى كلمة "الجبر" ليس "الجمع" كما يَدّعي.والولد الصغير، سواء كان عربيا أو أعجميا، عالما في الرياضيات أو جاهلا بها، يعرف ان كلمة "جبر" بعيدة كل البعد عن "الجمع". فالجمع شيء والجبر شيء آخر. الجمع هو حساب،أو أصله في الحساب، فما الجديد في علم يدعي الجدة والابداع , في أن يُسمِّي نفسه بكلمة تعود للحساب؟ أو ربما كان قصد الكاتب خبيثا فحسب: فحتى لو سَلَّمَ بأن أصل الكلمة عربية كما يقول، فإن العرب لم يأتوا بجديد، مادام كل ماقصدوه من الجبر، مكرمتهم العظمى، وما يفاخرون فيه، هو "الجمع" فقط. أما الحقيقة فهي غير ذلك. فالجبر من "التجبير". وهو جبر الأطراف المكسورة. وللمعادلة أطراف تُجَبَّّر - مجازيا - كما تجبر عظام الأطراف في الإنسان، كيده ورجله. والأصل في الخوارزمي مخترع العالم نفسه، والذي أسمى كتابه "الجبر والمقابلة". واذا كان الجبر حسب "مسارات" هو الجمع، فما هي "المقابلة" إذن؟ لا ذكر للمقابلة في مسارات، ولا لكتاب الخوارزمي ولا للخوارزمي نفسه .وهو من خوارزم، ولكنه عاش وعمل في بغداد، بتشجيع من الخليفة المأمون راعي العلم الأول بين حكام العالم - المعروفين - قاطبة. حيث جعل من هذا العالِم بمثابة وزير العلم، وامده بالمال، وجعله مسؤولا عن بيت الحكمة في بغداد.

شهادة الأغيار:

بحث بسيط عن كلمة algebra في الانترنت، قادني الى ما كتبه أمريكي معاصر يدعى "شارليز داني" في مقال له عن تاريخ الجبر. يقول: "كلمة الجبر algebra جاءت من العربية ... والكلمة نفسها هي مجاز، حيث أن الكلمة تعني تجبير أو تقويم العظام المكسورة" ويضيف الكاتب عن طبيعة الجبر وفائدته:" التوكيد في الجبر كان في ايجاد طرق لتبسيط المعادلات الجبرية، والتي سُمِّيت ألغوريتامات algorithms ، على شرف الخوارزمي نفسه" في موسوعة ويكيبيديا، النسخة الانجليزية، كُتِب: " Algebra مشتقة من الكلمة العربية Al-jabr وقد جاءت من العمل الذي قدمه الرياضي الفارسي محمد ابن موسى الخوارزمي؛ بعنوان "الجبر والمقابلة)هكذا في الأصل الانجليزي) .والتي يمكن ترجمتها بالإكمال (completion) والموازنة (Balancing)

ما هو الجبر؟ ما هي المقابلة؟

في غير هذا الموضع شرحت المعنى الصحيح للجبر والمقابلة، بقولي أن الجبر هو جبر أطراف المعادلة، بنقل أقسامها من طرف الى آخر، مع المحافظة على توازنها وتعادلها، حيث لم تكن الاعداد السالبة معروفة أو داخلة في نطاق الأعداد المتداولة، فكان ينبغي تجنبها عن طريق جبر المعادلة التي تعتمد عليها.أما المقابلة فهي مقابلة طرفي المعادلة بجمع أو طرح نفس العدد من الطرفين، أو ضربهما بنفس العدد أو القسمة على نفس العدد. إننا نسمي كلا من الجبر والمقابلة في أيامنا هذه العمليات الأولية التي يمكن تنفيذها على طرفي معادلة، دون أن نُغَيِّر في طبيعةِ هذه المُعادَلَة، أو في حلولها، وإن كنا نغير في صورتها تمهيدا لحلها. أما ابن خلدون الذي جاء بعد الخوارزمي، فيقول:"علم الجبر والمقابلة من فروع علوم العدد، وهو صناعة يُستخرج بها العدد المجهول من المعلوم، اذا كانت بينهما صلة تقتضي ذلك. فيقابل بعضها بعضا . ويُجبَر فيها من الكسر حتى يصير صحيحا".

 لماذا يزيفون؟

ان طاقم مسارات يخشى كما أظن، أن يعلم الطلاب العبرانيون في تل ابيب، أن أناسا يعيش احفادهم في غزة وفي سخنين، يمكنهم أن يلعبوا هذا الدور الهام في تاريخ العلوم، ويخترعوا من العلوم أخطرها وأكثرها فائدة، فاتحة جميع العلوم. فهذا يخالف الفكرة السائدة لديهم أن العرب هم شعب بائس عاجز بدائي، يعيش خلف الحواجز والجدران، ولا يمكن ان يعطي للعالم شيئا مفيدا، كالذي أتى به اينشتاين ونيوتن في العصر الحديث. يدفعهم الى اعتقادهم هذا عنصرية لا تلين: نيوتن والخوارزمي وابن الأثير هم عباقرة أثروا العلم وأفادوا العالم، وقد أخذ الواحد منهم عن الآخر، وأكمل الواحد الاخر، أو صححه، وأضاف اليه، ولا يهم الأمة التي ينتمي اليها هذا أو ذاك، فحب المعرفة والحكمة الابداع، ليست مقصورة على شعب دون غيره. تماما كما الجمال والعزم والذكاء. وبعكسهم :لا يدفعني الى كتابة هذه المقالات قبليةة تحركني، أو تحيز لبني جلدتي. فالعباقرة الحقيقيون هم أهلي، وهم من أحب، ولهم أتعصب. صحيح أني أعلم وأحزن الى ما انتهى الي قومي من انحطاط وقلة ارادة وثبوط في العزيمة، وكنت أريد لهم نهاية غير هذه النهاية المحزنة. ولكن أكثر ما يسوءني تزوير الطرف الثاني للتاريخ، والانتقاص من حق المبدعين من بني جلدتي، حين يكون الدافع هو العنصرية نفسها، وضيق الأفق الذي يميز صغار النفوس. عجيب: ماذا يراد لطلابنا ومعلمينا أن يستفيدوا من هذا التزوير الفاضح للتاريخ؟ وهذا الاستهتار بأعظم انجازات العرب فيه؟ إننا نسأل: هل هذه المعلومات هي التي نرغب في تلقينها لطلابنا الصغار في مدارسنا؟ وهل هذه الكتب هي التي نحرص على ترجمتها وتقديمها لطلابنا؟ في الحق، وأخيرا، لأن لا رغبة لي في الإطالة، وتكرار هذا الحديث: - لا بورك في الأمة التي تتسابق لترجمة كتاب للصف الأول أو للصف السابع في الحساب. -لا بورك في أمة يقف فيها مسؤول كبير يبشر بترجمة كتاب في الحساب للصف السابع. - لا بورك في أمة تستهلك ولا تنتج، تأكل ولا تهضم، تشرب ولا تستمريء طعم الماء. تدرس ولا تتعلم. تأخذ ولا تعطي. فكيف لو كان في هذه الأمة،الخوارزمي، وابن رشد، وابن النفيس، وكان من أعلامهاالجاحظ والمأمون؟ واليوم يقودها ضعاف النفوس والعقول، قليلو الهمم، ممّن يكتفون بفضلات الولائم، يلتهمونها شاكرين.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة