المُتهم البريء

ناجي ظاهر
نُشر: 30/12/25 13:43

على الدرجات المؤدية الى بيته المستأجر، في تلك البلدة البعيدة عن مسقط رأسه، توقف وهو يتلفّت في كلّ الاتجاهات. سوّى قبعته الفرنسية على رأسه، داهمه شعور بأنه لم يفلح في تسوية قبعته تلك. فتح الباب. دخل إلى البيت. توجّه بسرعة إلى المرآة المعلقة في مدخل البيت، عاين القبعة، محاولًا ان يسويها على رأسه، بحيث يَرى ولا يُرى." هكذا يفترض أن تكون القبّعة المدارية"، قال وأضاف:" هكذا. مع هذه القبعة لن يعرفني أحد، وسوف أكون بعيدًا عن مرمى هدف الشك والملاحقة.

استرخى صاحبنا واسمه عادل كامل، على سريره وهو يفكّر في تلك الاشباح التي تلاحقه. ما حدث كان فظيعًا. في لحظة تشبه طرفة العين، وجد نفسه متهمًا بجريمة قتل. ورغم انه قدّم للجماعة كلّ الأدلة على انه برئ، بل على انه لم يكن في محيط الجريمة حين وقوعها، الا انهم رفضوا الاستماع اليه، وواصلوا اتهامه بتلك الجريمة الفظيعة. اما تعترف وتنجو. بجلدك لتتابع حياتك في السجن وخلال فترة قصيرة نتكفل نحن بمعالجة امرك فيه، واما ترفض فنقضي عليك.

اما ان تتوجه الى الشرطة، فمعنى هذا انك قُتلت، وانتهيت. بإمكاننا قتلك حتى لو ارتفعت لتقيم في برج مشيّد. في الخارج ستقتل وفي الداخل ستقتل. لكنني لم اقتل. كلّ ما حصل هو انني كنت واحدا ممن راوا تفاصيل تلك الجريمة. كان ذلك عندما صوب احدهم اطلق على تلك المرأة وولى.. حظّي السيء اتى بي الى ذلك المكان. حينها جاءه الصوت المُرعب مهددا متوعدا دون رأفة او رحمة. نعطيك فرصة أخيرة اما تعترف وتنجو واما تتابع الانكار وتقتل.

صور أولئك القتلة تلاحقه، هو الكاتب المعروف بحسن سلوكه وشخصيته المسالمة، وها هو يتصورهم واحدًا وراء الآخر، تمر صورهم من امام عينيه مهددة متوعدة، اعترف.. اعترف.. اعترف. نعرف أنك قد تهرب لكننا لن نتركك. حينها فهم أن القاتل هو رجل ثقيل، وانهم أرادوا ان يخلصوه وان يلبسوه هو عاشق الكلمات المسكين ذلك الملف المفزع. أكد هذا ان الضحية هي زوجته، وأنه كان هناك بالصدفة. وان القاتل كما تأكد له انما هو ذلك المجرم، زوجها وزعيم أولئك القتلة. هل تعمّد أولئك القتلة ان أكون هناك في نفس المكان؟.. هل حبكوا خيوط تلك الجريمة بحيث تلبسني؟.. الشرطة اعتقلتني مدة أيام، غير انها لم تمتلك الاثباتات لذا اطلقت سراحي.. وها انذا انتقل إلى هنا.. اعرف انني عالق بين فكي كماشة، الشرطة التي لن تتركني من ناحية، واولئك الاوغاد من جهة أخرى. 

اغمض عادل الكامل عينيه وفتحهما علّه يكتشف، عندما يفتحهما، انما هو كان يحيا كابوسا بشريا لا يختلف عن كلّ تلك الكوابيس التي تغزو أحلام الكثيرين في الفترة الدموية الجارية. غير ان ما حصل هو ان حالةً من الرعب استولت عليه، فقد استمع إلى دقة على الباب، هل جاءوا؟.. هل عرفوا مكانه بتلك السرعة؟.. هل انتهى عهد الآمال والاحلام في كتابة اجمل القصص البوليسية واشدها جاذبية وتشويقا، هل انتهى كاتب القصص، الحالم العظيم، إلى ان يكون قصة تكتبها يد الظروف والملابسات الفظة الغليظة؟.. اللعنة على تلك الزوجة ، زوجته، الجاهلة الكاذبة. فقد كانت اول خراباته وها هي تتحوّل الى ذروة دماره وخرابه. الدق يتواصل على باب تلك الغرفة. وهو ينكمش.. ينكمش.. ينكمش.. الى اين المفرّ؟.. في الصباح يعترض طريقه صاحب شقته المستأجرة. يقول له يبدو انك تنام مبكرا. يخجل مما حدث يقول وهو شبه هائم.. بالفعل انا انام مبكرا. ويمضي في طريقه.

يمضي في الطريق مفتعلًا عدم الاهتمام، عبثا يحاول ان يعثر على الطمأنينة الهاجعة في قلبه منذ كان، في قلبه الى ما قبل تلك الجريمة. وها هو يبتعد.. يبتعد عن كلّ الناس. عادل كامل لم يعد كاملًا.. هو لم يقتل زوجته، وانما تركها وولّى هاربا بجلده وبقصصه الجميلة. ليأتي اليها من يقتلها بدم بارد. الصور المتهمة الغاضبة تحيط به من جانبين، من جانب يتابعه أولئك القتلة المجرمون، ويطلون مهددين متوعدين، بوجوههم المفلطحة. ومن ناحية أخرى، تتابعه أصابع اتهام المحققين واتهاماتهم..

انت المتهم رقم واحد في مقتل زوجتك. سنطلق سراحك حاليا.. يومها أراد ان يخبر محققه، بانه ترك زوجته منذ فترة بعيدة. وانها ارتبطت بزواج عرفي برجل آخر.. هو.. وعندما اوشك ان يقول اسمه تراجع.. كانت وجوه اتباعه القتلة المجرمين المهددين، تطل اليه من كل مكان في غرفة التحقيق. لذا تراجع في اللحظة الأخيرة، تاركا الأمور تجري نحو غايتها. وبما انه لم يكن القاتل، فقد كان يشعر بان العدالة لا يمكن الا ان تأخذ مجراها الصحيح. الم يحاول في السابق كتابة قصص بوليسية، تنتهي في القبض على المجرم الحقيقي مهما تلبست الجريمة شخصا آخر؟.. الم يؤكد لنفسه قبل ان يؤكد لقرائه ان اذرع العدالة ستلقي القبض على المجرم القاتل طال الزمان او قصر؟..

يمضي في الشارع الطويل المحاذي لبيته المستأجر، يمضي بعيدا عن الناس ومكارههم المُحتملة، يجلس هناك تحت شجرة وارفة. يرى في ناحية من يشك في انه من أولئك القتلة، يسوّي قبعته على راسه محاولا إخفاء وجهه، يقف يمضي في طريق العودة الى البيت. يمضي معه قلقه المجرم. في اخر الطريق يرى وجهًا يشبه وجه مَن حقّق معه ومّن أطلق سراحه. هو يعرف ان الشرطة لم تكنّ ولن يهدا لها بال دون ان تلقي القبض على القاتل. يقينا هو يعرف انها لن تتركه ينتقل من بلدته الى أي بلد آخر ىدون متابعة ومراقبة، فهو المتهم رقم واحد في تلك الجريمة. كما قال له ذلك المحقق. 

يعود الى بيته المستأجر وقد رافقه المساء. قبل ان يدخل الى غرفة نومه يتوقّف قبالة المرآة ذاتها. هذه القبعة لم تنفعه ولن تنفعه. حظه السيء سيحيط به من كل جانب. فهل ستأتي نسمة من بلاد العجائب، تهب على اغطية تلك الجريمة الفظيعة فتكشف اسرارها المعقّدة وخفاياها المركّبة؟.. ما الذي سيحدث لك أيها الكاتب النحرير؟.. ما الذي سيحدث لك وانت مُحاطٌ بالجريمة والاتهام من كل جانب؟.. في الماضي البعيد عفت زوجتك وابتعدت عنها لما بينك وبينها من تفاوت ثقافي، لا سيما عندما راحت تتوعد وتتهدد بقتلها لك. لقد هربت بجلدك وها انت تَعلق من حيث لا تدري  فتحوّلك الظروف المجرمة من مشروع قتيل محتمل.. الى مشروع قاتل متهم. 

استلقى الكاتب عادل الكامل في سريره. أغمض عينيه. وحاول ان ينام. غير انه لم يتمكن. عندما انتقل للإقامة في هذه البلدة البعيدة عن مسقط رأسه اعتقد انه ابتعد، عن وجع الراس ومستتبعاته المقلقة، ولم يكن باي حال يتوقّع ان تكبر مشكلته تلك كلما ابتعد.. عن محيطها وحيزها الخاص. أسلم المتهم البريء عينيه لملك الكرى. ليستغرق برفقته في نوم عميق جدًا وليتراءى له أن افراد تلك العصابة قد دخلوا عليه ليمنحوه الفرصة الأخيرة في الاعتراف بانه هو من  ،قتل طليقته، وليس أي واحد منهم. وبينما يصوب ثلاثة منهم مسدساتهم إلى راسه.. يسمع طرق على باب البيت المستأجر.. ليطلب منه أحد أولئك القتلة ان يفتح الباب. فيقوم بفتحه. لتدخل الشرطة معلنة انها سمعت كل شيء.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة