العنف والجريمة في المجتمع العربي 2024– 2025

خالد خليفة
نُشر: 30/12/25 13:01

شهد المجتمع العربي في البلاد خلال عامي 2024 و2025 تصعيدًا غير مسبوق في مستويات العنف والجريمة المنظمة، إلى حدّ تحوّل فيه القتل إلى حدث يومي اعتيادي، يُحصد فيه شباب ونساء وأطفال، وتُهدَّد فيه ركائز الأمن الإنساني والبنية الاجتماعية لمجتمعٍ باكمله يعيش ضمن دولة تدّعي الديمقراطية وسيادة القانون. وهذه الظاهرة لم تعد حالة طارئة أو انحرافًا محدودًا، بل باتت أزمة بنيوية عميقة، تعكس فشلًا رسميًا ممنهجًا، وتواطؤًا سياسيًا، وغيابًا واضحًا للإرادة شأن القانون وممارسات الشرطة في هذه الدولة.

وتشير المعطيات إلى أنّ عام 2024 وحده شهد مقتل أكثر من 200 شخص من أبناء المجتمع العربي، فيما تبيّن مؤشرات عام 2025، مع اقتراب نهايته، احتمال تجاوز عدد الضحايا حاجز 255 وربما 265 قتيلًا. الأخطر من الأرقام هو مسارها التصاعدي، الذي يؤكد أنّ الجريمة لم تُكبح، بل تفاقمت، خصوصًا في ظل تولي إيتمار بن غفير وزارة “الأمن القومي”، وهي تسمية باتت مفارقة ساخرة أمام واقع انعدام الأمن في البلدات العربية.

خلال فترة بن غفير، لم نشهد استراتيجية جدية لمحاربة عصابات الإجرام، بل على العكس، شهدنا خطابًا تحريضيًا علنيًا ضد العرب، وسياسات استعراضية تُستخدم فيها الشرطة لأهداف سياسية، لا لحماية حياة المواطنين. وأكبر دليل على ذلك ما جرى في نهاية العام29/12/2025، عندما اقتحمت الشرطة بقيادة شخصية لبن غفير قرية ترابين الصانع في النقب بأكثر من 1500 شرطي مدججين بالسلاح، في استعراض قوة فضخما وواسع النطاق بهدف إرهاب وتخويف سكان النقب العرب، حيث قال فيه بن غفير جهارًا إن تفشي الجريمة في الوسط العربي لا يعنيه كثيرًا. هذا التصريح، وما رافقه من أفعال، يعكس جوهر السياسة القائمة: القمع بدل الحماية، والاستعراض بدل المعالجة.

أما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يتدخل في أدق تفاصيل المشهد السياسي والأمني والقضائي في الدولة، فيغيب غيابًا شبه كامل عن ملف الجريمة في المجتمع العربي. فخلال السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه، قُتل أكثر من 730 عربيًا، دون أن نشهد خطة حكومية شاملة، أو تدخلًا مباشرًا، أو مساءلة حقيقية للمؤسسة الشرطية. هذا الغياب لا يمكن تفسيره بالإهمال فقط، بل يجب قراءته كسياسة واعية، تسمح باستمرار النزيف، وتُبقي المجتمع العربي غارقًا في أزماته الداخلية.

ولا يقلّ دور الإعلام الإسرائيلي خطورة عن دور الحكومة. فالتغطية الإعلامية لجرائم القتل في المجتمع العربي تتسم بالبرود، والاختزال، وأحيانًا الشماتة المبطّنة. فالضحية العربية تُقدَّم كرقم في نشرة إخبارية، دون سياق، ودون تحقيق، ودون ضغط حقيقي على الشرطة. في المقابل، يتحوّل مقتل أي مواطن يهودي إلى قضية رأي عام، تُسخَّر لها العناوين الرئيسية، والتحقيقات المعمّقة، وحملات التضامن.ان هذه الازدواجية الصارخة تكرّس مكانة العربي كمواطن من الدرجة الثالثة، وتمنح عصابات الإجرام شعورًا بالحصانة.

أمام هذا الواقع القاتم، فلا يمكن إعفاء القيادات العربية من مسؤولياتها. فصحيح أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومة ومؤسسات الدولة، لكن ضعف الأداء القيادي العربي، وتشتت الجهود، والاكتفاء ببيانات الشجب، ساهم في تفاقم الأزمة. والمطلوب اليوم هو انتقال واضح من ردّ الفعل إلى الفعل المنهجي.

ويجب على لجنة المتابعة العليا، واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، وأعضاء الكنيست العرب، أن يضعوا قضية العنف والجريمة في صدارة جدول أعمالهم، باعتبارها قضية وطنية استراتيجية تهدد وجود المجتمع العربي ومستقبله. وان هذا الامر يتطلب عقد اجتماعات دورية ومفتوحة، وبناء خطة عمل متعددة المسارات، لا تقتصر على المطالبات، بل تشمل التنظيم الشعبي، وعمل مهني، والتواصل الإعلامي الفعّال.

كما أن لرؤساء البلديات المجالس المحلية دورًا محوريًا، يتجاوز إدارة الأزمات اليومية، وعليهم العمل الحثيث على تبنّي رؤية علاجية شاملة، تستثمر في التعليم، والثقافة، والبنية التحتية، والاقتصاد والتنمية، وتغلق المساحات التي تتغذى منها الجريمة.

إلى جانب ذلك، لا بد من تفعيل المسار الدولي والقانوني. حيث ان التدويل المشكلة لم يعد  خيارًا ثانويًا، بل أداة ضغط ضرورية. ويجب ايضا العمل على إرسال وفود رسمية إلى الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية، وطرح ملف العنف في المجتمع العربي كقضية حقوق إنسان، ناجمة عن إهمال وتمييز مؤسساتي. وفي هذا السياق ايضا، تبرز أهمية الدفع نحو تشريع قانون يعترف بضحايا القتل في المجتمع العربي كضحايا أعمال عدائية نتيجة الإهمال الرسمي، بما يفرض على الدولة دفع تعويضات مالية عادلة للعائلات الثكلى، وتحمّل الدولة  مسؤولياتها القانونية والأخلاقية.

ومن المهم ُايضا إقامة وانشاء مكتب مهني دائم، ولجنة مختصة تضم باحثين وأكاديميين وخبراء في علم الاجتماع والجريمة والاقتصاد والإعلام، تعمل بشكل ممنهج على تشخيص الظاهرة، واقتراح لحلول عملية، ومرافقة العمل السياسي والشعبي والإعلامي.

إن عامي 2024 و2025 يجب أن يكونا نقطة تحوّل، لا مجرد فصل إضافي في سجل الدم. كما ان وقف النزيف يتطلب إرادة سياسية، وصحوة قيادية عربية جماعية، تعيد للإنسان العربي حقه في الحياة، والأمن، والكرامة، ولتتحوّل قضية العنف من قدر مفروض إلى معركة وعي وفعل ومسؤولية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة