هناك لحظات فريدة تمر في حياتنا تختلف عن سواها، تختلف في انها قد تكون لحظتنا الخاصة التي طالما انتظرناها، لتأتي الينا على عجل او بعد تأخر او في غفلة منا، فاذا ما جاءت في اي من حالاتها، اغتنمناها والا فإنها ستمضي لتنضم الى غيرها من لحظات الحياة العادية، التي تمسي او تصبح علينا وتمضي.
يقول الكاتب القاص العربي المصري محمد أبو المعاطي أبو النجا، عن هذه اللحظة، انها تداهمنا على غير اتفاق، فاذا ما تركناها تمضي، ولت الى غير رجعة. وما يقوله أبو المعاطي ينطبق عليه ما قاله الفيلسوف اليوناني العريق هيراقليطس، وهو اننا لا ننزل النهر مرتين، صحيح اننا ننزل في نفس الماء، لكنه ماء اخر تغير بتغير التيار.
روى لي صديق فنان مقرب رغم البعد والانشغالات، روى ذات جلسة طيبة، قصة ما زالت تلمع في ذهني، رغم مضي السنين عليها، كلما تحدثت عن اللحظة الفريدة/ لحظة الابداع، مفادها انه فوجئ وهو يمضي في احد الشوارع الأوروبية ابان وجوده هناك لدراسة الفنون، بعينيه تلتقيان بأغرب عينين واقربهما الى قلبه، توقف. تردد. صاحبة تلكما العينين ولت باتجاه الدرج المؤدي الى محطة الترام، ركض وراءها، غير انها غابت في الزحام. "للأسف لم أدركها"، قال صديقي وتابع:" لو ادركتها لتغيرت حياتي".
مثل هذه اللحظة هي التي تأتينا على غرة منا أحيانا، وتدير لنا ظهرها، كأنما هي تتوقع منا ان ندركها في اللحظة المواتية فاذا لم نفعل، تركتنا وحدنا منتظرين هبوطها السماوي علينا في مكان اخر وموعد اخر.
في هذا السياق روى لي قبل سنوات بعيدة ايضا، صديق آخر، يمارس الفن، لكنه لا يؤمن بأن من حق الآخرين ان يروه، ربما لأنه يراه حَرمًا ليس من حق الآخرين ان يدخلوا اليه. قصة هذا الفنان المبدع، رغم انه غير معروف بين ظهرانينا، تتلخص في انه تواعد في أجواء من الريبة مع معرفة جديدة من بلدة مجاورة، وعندما فتحت له باب شقتها وجدها تلقي بكلها في حضنه وبين يديه، فما كان منه الا ان زحف محتضنا إياها، زحف انسان خبر اسرار اللحظة الفريدة، وبقي يزحف الى ان وصل المفتاح الكهربائي واطفأ النور.. ليعيش مع من تواعد معها لحظة لا تتكرر.
*
في حديث اخر عن هذه اللحظات الفريدة، هناك مؤلَف فريد للكاتب النمساوي، سطيفان تسفايج، حمل عنوان " ساعات القدر"، وروى فيه صاحبه بتفصيل كوني شمولي، عن مبدعين، في مجالات الفنون المختلفة من ادب وموسيقى، كانوا في غفلة من حياتهم وفوجئوا بهذه اللحظة تداهمهم على غير موعد، فما كان من الواحد منهم الا ان اغتنم هذه اللحظة ليضع العمل الأهم الذي توج حياته.
سؤالي هنا.. هل إذا ما هبطت الينا ورقاء هذه اللحظة من محلها الارفع، نتركها تولي، ام نرحب بها، نحسن استقبالها، ونعانقها عناقنا العظيم.. ذلك العناق الذي انتظرناه عمرا فتم اختزاله في لحظة.. يصح ان ندعوها باسم لحظة قدر؟.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency