سِفْرُ اللَّعْنَةِ الأُولَى

نَحْنُ أَبْنَاءُ هٰذَا اللَّيْلِ الْمُتَقَيِّحِ،
نُرْضَعُ الْخَوْفَ مَعَ الْحَلِيبِ،
وَنَتَعَلَّمُ الْأَبْجَدِيَّةَ
مِنْ فَمِ السَّجَّانِ.
أَيُّهَا الْجَالِسُونَ عَلَى خَاصِرَةِ الْبِلَادِ،
كَقُرَادٍ سِيَاسِيٍّ
يَمُصُّ الدَّمَ،
ثُمَّ يُفْتِي فِي الْوَطَنِيَّةِ!
أَيُّ وَطَنٍ هٰذَا
الَّذِي يَلْبَسُ وُجُوهَكُمْ
وَلَا يَخْجَلُ؟
تَتَوَضَّؤُونَ بِالْكَذِبِ،
وَتُصَلُّونَ فِي مَعَابِدِ الصَّفَقَاتِ،
وَتَخْرُجُونَ عَلَيْنَا
بِعَمَائِمَ مِنْ آيَاتٍ
مَقْصُوصَةٍ
عَلَى مِقَاسِ الْخِيَانَةِ.
نَحْنُ لَا نَشْتِمُكُمْ؛
الشَّتِيمَةُ شَرَفٌ لُغَوِيٌّ
لَا تَسْتَحِقُّونَهُ.
نَحْنُ نُسَمِّيكُمْ
كَمَا أَنْتُمْ:
فَائِضَ عَفَنٍ
فِي جَسَدِ التَّارِيخِ.
أَمَّا الْوَطَنُ،
فَلَيْسَ نَشِيدًا يُغَنَّى،
وَلَا صُورَةً تُعَلَّقُ
خَلْفَ الْمَكَاتِبِ.
الْوَطَنُ رَغِيفٌ
لَا يُدَاسُ،
وَصَوْتٌ
لَا يُكْسَرُ،
وَطِفْلٌ
لَا يَتَعَلَّمُ الْجُوعَ
قَبْلَ الْكَلَامِ.
قُلْتُمْ: «اِصْبِرُوا»،
وَكَانَ الصَّبْرُ
سَوْطًا جَدِيدًا.
قُلْتُمْ: «الْأَمْنُ»،
وَكَانَ الْقَبْرُ
أَوْسَعَ مِنَ الشَّارِعِ.
قُلْتُمْ: «الْحِكْمَةُ»،
وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ
اِمْرَأَةً مُغْتَصَبَةً
فِي زِقَاقِ السِّيَاسَةِ.
نَحْنُ لَا نَحْمِلُ سَكَاكِينَ،
لٰكِنَّ كَلِمَاتِنَا
أَكْثَرُ حِدَّةً
مِنْ رَصَاصِكُمْ.
نَكْتُبُ؛
لِأَنَّ الْكِتَابَةَ
آخِرُ مَا لَمْ تَسْرِقُوهُ،
وَآخِرُ مَا يُخِيفُكُمْ.
سَيَأْتِي يَوْمٌ
لَا تُنْقِذُكُمْ فِيهِ
خُطَبُكُمْ،
وَلَا صُوَرُكُمُ الْمُؤَطَّرَةُ،
وَلَا دُمُوعُكُمُ الْمُؤَجَّرَةُ.
سَيَأْتِي يَوْمٌ
تَسْقُطُونَ فِيهِ
لَيْسَ بِثَوْرَةٍ،
بَلْ بِسُؤَالٍ بَسِيطٍ:
«أَيْنَ كُنْتُمْ
حِينَ كَانَ الْإِنْسَانُ يُذْبَحُ؟»
وَفِي ذٰلِكَ الْيَوْمِ،
لَنْ نَحْتَفِلَ،
سَنَفْتَحُ نَافِذَةً
لِيَتَنَفَّسَ الْوَطَنُ،
وَنَتْرُكُ لَكُمْ
ظِلَالَكُمُ الثَّقِيلَةَ
تَتَعَفَّنُ
وَحْدَهَا.