قراءة تحليلية موسّعة في قصيدة «العُمرُ يمضي» للشاعر  الاستاذ رجا  خطيب.

غزال أبو ريا
نُشر: 24/12/25 18:16

قراءة تحليلية موسّعة في قصيدة «العُمرُ يمضي» للشاعر  الاستاذ رجا  خطيب.

كتب: غزال أبو ريا

تندرج قصيدة «العُمرُ يمضي» ضمن الشعر التأمّلي الذي يجعل من الزمن محورًا فلسفيًا وأخلاقيًا، لا مجرد خلفية عابرة للأحداث. فالعمر، في رؤية الشاعر، ليس عددًا من السنوات، بل امتحان وعي ومسؤولية، تتحدد قيمته بمدى إدراك الإنسان لمعناه وكيفية تعامله مع ما أُودِع فيه من نِعم وفرص.

أولًا: الزمن بوصفه قيمة أخلاقية

يفتتح الشاعر قصيدته بتفكيك الفكرة الشائعة التي تُرجع ضيق العيش والتذمّر إلى قلّة النِّعم، ليؤكد أن الخلل الحقيقي يكمن في الغفلة عن إدراك النعمة لا في غيابها. فالعمر يضيع حين يغيب الوعي، لا حين تقل الموارد. وهنا ينتقل الزمن من كونه إطارًا محايدًا إلى كونه قيمة أخلاقية يُحاسَب الإنسان عليها بقدر ما يشكر ويُقدّر.

ثانيًا: العمر بين الهبة والرسالة

لا ينظر الشاعر إلى العمر كحقّ مكتسب، بل كـ هبة ورسالة في آنٍ معًا. الهبة تستوجب الشكر، والرسالة تستدعي الفعل والمسؤولية. ومن هذا المنطلق، لا تُقاس قيمة العمر بطوله، بل بما يتركه من أثر ومعنى. فحياة قصيرة عامرة بالقيم أسمى من عمرٍ طويل خلا من العطاء والاتزان.

ثالثًا: الرضا بوصفه ثمرة الوعي

يبرز في القصيدة مفهوم الرضا لا بوصفه استسلامًا للواقع، بل كحالة وعي ناضجة تنشأ عن حسن إدراك النِّعم وتنظيم العلاقة مع الزمن. فالرضا، وفق رؤية الشاعر، ليس نقيض الطموح، بل هو شرط صفاء النفس الذي يمكّن الإنسان من العمل دون جشع، ومن السعي دون قلق مدمّر.

رابعًا: السِّلم وطيب العيش

يربط الشاعر بين طيب العيش والسِّلم، معتبرًا أن الحياة لا تزدهر في بيئة صراع دائم. ومع ذلك، لا يدعو إلى سِلمٍ سلبي أو خنوع، بل يُبقي باب مقاومة الظلم مفتوحًا حين يُنكر الحق وتُسلب الكرامة. هذا التوازن يعكس رؤية أخلاقية عميقة تميّز بين السِّلم بوصفه قيمة إنسانية، والاستسلام بوصفه ضعفًا مرفوضًا.

خامسًا: نقد الترف والطمع

تحمل القصيدة موقفًا نقديًا واضحًا من الترف الفارغ الذي يستهلك العمر دون أن يُنتج قيمة، ومن الطمع الذي يُفسد العلاقات ويشوّه معنى النجاح. وفي المقابل، يطرح الشاعر العطاء معيارًا لسموّ الإنسان، مؤكدًا أن محبة الناس ليست غاية نفعية، بل نتيجة طبيعية لنقاء القلب وحسن الفعل.

سادسًا: الخاتمة ونبرة الرضا الحكيم

تُختتم القصيدة بنبرة رضا عميقة، تنمّ عن وعي ناضج بتقلّبات العمر، وقبول حكيم لمساراته دون انكسار أو مرارة. هذا الرضا ليس نهاية الطريق، بل ذروة الفهم، حيث يتصالح الإنسان مع الزمن، لا لأنه استنفد طاقته، بل لأنه أدرك معناه.

خلاصة نقدية

تقدّم قصيدة «العُمرُ يمضي» رؤية إنسانية متزنة، تمزج بين التأمل الأخلاقي والواقعية الاجتماعية. فهي لا تكتفي بوصف الزمن، بل تُحمّل الإنسان مسؤولية تحويل عمره من مجرد مرور إلى قيمة وأثر ومعنى. وبهذا، ينجح الشاعر رجا الخطيب في تقديم نصٍّ يُخاطب العقل والضمير معًا، ويضع القارئ أمام سؤال جوهري:

كيف نعيش أعمارنا… لا كم تمتد، بل ماذا تُثمر؟

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة