حين يَخون الغرورُ العطاء

مرعي حيادري
نُشر: 19/12/25 22:03

ليس الغرور مجرّد صفةٍ عابرة، بل حالة تُفسد المعنى قبل أن تُفسد الفعل. فما يُبنى عليه يظلّ هشًّا، مهما بدا صلبًا في الظاهر. الغرور يقضي على الإنجازات لأنّه يفصلها عن جوهرها الإنساني، ويُفرغ العطاء من صدقه حين يتحوّل إلى استعراضٍ أو سلطةٍ خفيّة./

الكتابة، بوصفها فعل وعي ومسؤولية، لا تُقاس بزخرف العبارة ولا بعلوّ النبرة، بل بقدرتها على الجذب الهادئ، ذلك الذي يجعل القارئ شريكًا لا متلقّيًا عابرًا../

النصّ الجيّد يفتح شهية القارئ، ويتركه متشوّقًا لما بعد الفقرة، لأنّه كُتب بروحٍ صادقة لا بعقلٍ متعالٍ..والكتابة الصادقة تظلّ المنبع الأوّل والأخير لبقاء الكاتب في عقول الناس وقلوبهم. فالنصوص التي تُكتب بلا صدق قد تلمع لحظة، لكنها لا تعيش طويلًا../

وحدها الكلمة التي خرجت من وجدان صاحبها، واحترمت عقل القارئ، قادرة على أن تُخلَّد في الذاكرة، وأن تبقى حيّة في العقول، تُستعاد كلّما ضاق الواقع واحتاج الإنسان إلى معنى../

الكاتب المتألّق لا يقف فوق الناس، بل بينهم. يشعر بسقف البسطاء والفقراء قبل أن يتأمّل أسقف النفوذ والمناصب. يدرك أنّ العمق الحقيقي لا يتناقض مع البساطة، وأن الثقافة لا تكتمل إن لم تكن قادرة على ملامسة وجع الشرائح الاجتماعية التي غالبًا ما تُهمَّش أو يُنظر إليها من علٍ../

أما النقد، فهو امتحان الأخلاق قبل أن يكون مهارة لغوية. ليس غايته التشهير ولا تصفية الحسابات، بل كشف ما هو سيّئ وغير نافع، ومساءلة كلّ سلوكٍ أو خطابٍ يُغذّي البغضاء أو يكرّس التعالي.،النقد الصادق يقف في صفّ الإنسان، لا في صفّ الموقع أو اللقب../

حين تُكتب الكلمة بهذا الوعي، تتحوّل من أداة نفوذ إلى فعل إنساني. وحين يُمارَس العطاء بلا غرور، يصبح غير محدود في أثره، وإن ظلّ محدودًا بحدود الضمير. فهناك فقط، عند هذا الحدّ الإنساني النبيل، تولد الكتابة التي تستحق أن تُقرأ… وأن تبقى..

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة