حين تتسع الأشياء وتضيق القيم

غزال أبو ريا
نُشر: 19/12/25 21:45

في ظل تسارع إيقاع الحياة المعاصرة وتضخّم منجزاتها المادية، تتراجع القيم الإنسانية بهدوءٍ مقلق، لتنشأ فجوة متسعة بين ما نملكه وما نعيشه فعليًا. في هذا المقال التأملي، يقدّم غزال أبو ريا قراءة نقدية هادئة لزمنٍ يزداد فيه الاتساع الخارجي مقابل ضيقٍ داخلي متنامٍ، مستعرضًا مفارقات العصر بين التقدّم والطمأنينة، وبين الوفرة المادية والفقر القيمي، في دعوة صريحة لإعادة الاعتبار للإنسان ومعنى الحياة.

نعيش في زمنٍ تتجلى فيه المفارقات بشكلٍ صارخ، زمنٍ تتقدّم فيه الوسائل وتتراجع فيه المعاني، وتكبر فيه الأشياء من حولنا بينما يضيق الداخل الإنساني.

بيوتٌ عالية وواسعة، لكن صدورٌ ضيّقة.
شوارع سريعة وفسيحة، ونظراتٌ محدودة وأفقٌ أضيق.

نشتري كثيرًا ونفرح قليلًا، نستهلك أكثر ونحصد سعادةً أقل.
نُبذّر الأموال، ونفقد القناعة.
تكبر بيوتنا، وتصغر عائلاتنا، ويزداد الشعور بالوحدة رغم الازدحام.

نحمل شهاداتٍ عالية، لكن بحكمةٍ أقل.
معرفةٌ متراكمة، واتزانٌ متراجع.
مختصون في كل مجال، ومع ذلك تتكاثر المشكلات.
أدويةٌ كثيرة، وصحةٌ أقل، كأن الجسد يصرخ بما عجزت الروح عن قوله.

ضاعفنا ممتلكاتنا، لكننا قلّصنا قيمنا.
نتحدث كثيرًا، نصغي قليلًا، نحب أقل، ونمارس الكراهية أكثر.
أصبحت الكلمات سهلة، والمشاعر نادرة، والعلاقات سريعة الهشاشة.

تعلمنا كيف نبني حياةً لأنفسنا،
لكننا لم نتعلّم كيف نعيشها بعمق ومعنى.
وصلنا إلى القمر وعدنا،
لكننا أصبحنا أقل تسامحًا مع بعضنا البعض،
وأبعد عن فهم الإنسان للإنسان.

طفنا حول الكون،
واكتشفنا أسراره،
لكننا لم نصل بعد إلى عالمنا الداخلي.
نقّينا الهواء من حولنا،
ولوّثنا نفوسنا بالضغينة والقلق والأنانية.

مداخيل أعلى،
وقيم أقل.
زادت الكمية،
وتراجعت الجودة.
كل شيء أسرع،
إلا الطمأنينة فهي الأبعد.

بيوتٌ جميلة التصميم،
لكن عائلات بحاجة إلى تناغمٍ وتماسك.
أطفال بحاجة إلى وقتٍ لا إلى هدايا،
وأهل بحاجة إلى إصغاء لا إلى نصائح جاهزة.

ولعلّ المطلوب اليوم بسيط في شكله، عميق في أثره:
أن نجلس مع العائلة والأصدقاء أكثر مما نجلس مع العمل.
أن نرتدي ملابسنا الجديدة اليوم لا غدًا،
فالعمر لا ينتظر.
أن نفعل ما يُسعدنا الآن، لا أن نؤجله إلى زمنٍ قد لا يأتي.
أن نحافظ على أصدقائنا،
وألا نُكثر من صداقاتٍ جديدة إن لم نحسن حفظ القديمة.

هذه ليست دعوةً إلى التراجع عن التقدّم،
بل إلى موازنته بالإنسان.
ليست رفضًا للحداثة،
بل تذكيرًا بأن القيم هي ما يعطيها معناها.

هي أفكار مفتوحة للنقاش،
وأسئلة بلا أجوبة جاهزة،
لكن المؤكد أن الجامعة الحقيقية التي لا نتخرّج منها أبدًا هي الحياة.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة