الشيخ صفوت فريج
رئيس الحركة الإسلامية
لا يبدأ الفشل الماليّ من السياسات المحلية أو الأزمات الكبرى أو البورصات العالمية فحسب، بل يتسلّل غالبًا من تفاصيل صغيرة في حياة الفرد، ثم يتضخّم ليصيب الأسرة، ويتحوّل لاحقًا إلى عبءٍ ثقيل على المجتمع بأسره. فالإدارة الماليّة ليست مهارة ثانويّة، بل ثقافة وسلوك ومسؤولية شرعية وأخلاقية.
على المستوى الشخصي، يعني الفشل المالي غياب التخطيط، والاستهلاك غير المنضبط، والعيش بمنطق اللحظة لا بمنطق الأولويات.
فرد بلا وعي مالي هو فرد هشّ، سريع الارتهان للدَّين، ضعيف القدرة على الصمود أمام الطوارئ، مهما بلغ دخله.
أما على المستوى الأسري، فإن سوء الإدارة الماليّة يتحوّل إلى مصدر توتّر دائم: خلافات زوجية، قلق على المستقبل، وتربية أجيال ترى الدَّين أمرًا شكليًا، والإنفاق بلا حساب أسلوب حياة. الأسرة التي لا تُدير مواردها بحكمة تُورّث أبناءها العجز لا الخبرة.
يقول تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.
وعلى المستوى المجتمعي، يصبح الفشل المالي ظاهرة عامة ذات آثار خطيرة. فالسوق السوداء، ورهن البيوت، وانتشار العنف ليست ظواهر منفصلة، بل نتائج طبيعية للفوضى والعشوائية في الإدارة المالية الفردية والأسرية والمجتمعية.
وعندما يغيب التخطيط ويضعف الوعي المالي، يتحول الدَّين من أداة مؤقتة إلى أسلوب حياة، وتتحول الحاجة إلى مدخل للاستغلال.
في ظل هذا الفراغ، تزدهر السوق السوداء، ويصعد المرابون، ويُرهَن البيت – آخر ما يملكه الإنسان من أمان واستقرار – مقابل حلول وهمية قصيرة الأمد. ومع تراكم الضغوط المالية، يتسرّب العنف إلى البيوت والشوارع؛ ليس خيارًا واعيًا، بل نتيجة لانفجار القهر والعجز وفقدان السيطرة.
العنف هنا ليس معزولًا عن الاقتصاد، بل هو أحد أعراضه. والمجتمع الذي تُستنزف موارده بلا إدارة رشيدة ويُترك أفراده دون أدوات وعي أو حماية يُدفع دفعًا نحو الفوضى. وما لم تُعالَج جذور الأزمة المالية، ستبقى المعالجات القانونية حلولًا مؤقتة ضرورية لكنها وحدها لا توقف النزيف.
المشكلة ليست في قلّة الدخل وحدها، بل في غياب ثقافة الترشيد، وترتيب الأولويات، والتمييز بين الحاجة والرغبة. وقد أثبتت التجارب أن بيوتاً ومشاريع محدودة الموارد استطاعت النهوض حين امتلكت إدارة رشيدة، فيما غرقت أخرى غنية في أزمات خانقة بسبب سوء التدبير.
إن الإصلاح المالي يبدأ بقرارات فردية وجماعية معًا، وبتغييرٍ ذهني وسلوكي عميق: تعليم مالي في المدارس، خطب ودروس توعوية في المساجد للمصلين، خطاب إعلامي مسؤول، قدوات اجتماعية تُجيد الإدارة لا الاستعراض، وسياسات تشجع الادّخار والإنتاج بدل الاستهلاك المفرط.
إن جلوسك لتدرس وتتعلم، وتنمّي قدراتك ومهاراتك، أفضلُ ألف مرة من أن تقع في مشاكل مالية غير محسوبة، تقودك إلى الديون التي تورثك الذل في النهار، والهمّ في الليل.
فالمال الذي لا يُدار بحكمة يفتح أبواب المشكلات والخصومات والاتهامات، ويجعل الحياة عبئًا ثقيلاً على الفرد والأسرة.
بينما جلسات الدراسة والتعلم، والاجتهاد في الكسب الحلال، هي جلسات بناء واستقرار، تنمّي العقل، وتحصّن النفس، وتزرع فيك القدرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة وكرامة.
جلوسك للتعلم أفضل ألف مرة من جلسات العتاب والمقايضة والاتهام، لأنها جلسات هدم، لا بناء؛ وتزرع النزاع بدل الانسجام، وتُضعف الأسرة والمجتمع بدل أن تقويهما.
فالفشل في الإدارة المالية ليس شأنًا فرديًا معزولًا، بل سلسلة تبدأ بشخص، وتنتقل إلى أسرة، وتنتهي بمجتمع يدفع الثمن. والعكس صحيح: وعي مالي واحد قد يكون بذرة إصلاح واسع.
قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}.
الإدارة المالية الرشيدة ليست مجرد مسألة عملية، بل واجب شرعي مرتبط بمقاصد الشريعة الخمسة:
1. حفظ الدين: بالحرص على المال الحلال وتجنّب الربا والديون الضارة.
2. حفظ النفس: بالقدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية وحماية الأسرة من الفقر والحرمان.
3. حفظ العقل: بتجنب القلق المفرط الناتج عن العشوائية المالية والديون المتراكمة.
4. حفظ النسل: من خلال توفير بيئة مستقرة للأسرة، تحفظ الأبناء من مشاكل الفقر والعنف الأسري.
5. حفظ المال: بإدارة الموارد بحكمة، وترشيد الإنفاق، وحماية المجتمع من الفوضى الاقتصادية.
فمن أراد حياة مستقرة وآمنة، فعليه أن يتقن إدارة ماله، ويضع الخطط المالية بحكمة، ليحقق مقاصد الشريعة كلها ويكون قدوة صالحة في أسرته ومجتمعه.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency