بعضُ المفكّرين، والمثقفين عمومًا، العرب عامة والفلسطينيين خاصة، هم مستشرِقون بالتعريف ـ بتكوينهم الفكري، بعدّتهم القيميّة وبعتادهم التحليليّ. ذلك أن منابع كل ما يكتبون ومرجعيات كل ما يجتهدون فيه في مجالات "العلوم الإنسانية" المختلفة هي ما تعلّموه، درسوه، قرأوه واستبطنوه في كليات هذه العلوم في الجامعات الغربية (الأمريكية، الأوروبية والإسرائيلية)، التي يشكل الفكر الاستعماري، لا التحرري، عمودها الفقري!
ولذلك، تجدهم ـ هؤلاء المفكرين والمثقفين ـ يجسدون تشكيلتهم الفكرية هذه في ما يكتبون، يُحاضرون ويُحاجِجون في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة هذه (في الثقافة، السياسة، علم الاجتماع، علم الإنسان، علم النفس، القانون وغيرها ... حتى "علوم الدين"!) بالارتكاز على، والاقتباس من، ما أبدعه المفكرون والفلاسفة الغربيون بوجه أساسيّ دون إبداء حدٍّ أدنى من المعرفة، ولا حتى مجرد الاطّلاع، على جزء ولو يسير من موروث الحضارة العربية والإسلامية ـ في عصورها المُشرقة، لا في عصرنا المظلم والظلامي هذا ـ وما خلّفته من كنوز الفكر والثقافة، الإنسانية والاجتماعية.
أعرف، شخصيًا، متخصصين في مجالات مختلفة في العلوم الإنسانية لم يقرأوا يومًا أي كتاب بالعربية في مجال تخصصهم، ولا يعرفون حتى مصطلحات تخصصهم باللغة العربية!!
تنبغي الإشارة هنا إلى أن الأمر مختلف تمامًا لدى العلماء، الدراسين والمختصين العرب، والفلسطينيين ضمنهم، في مجالات العلوم الطبيعية التي شكلت إبداعات الحضارة العربية ـ الإسلامية فيها (الطب، الكيمياء، الفيزياء والفَلَك وغيرها) ركائز أساسية اعتمدتها المؤسسات والمعاهد التعليمية والبحثية الغربية في مناهجها.
كان الراحل إميل حبيبي يردد: أنا قرأتُ فولتير ودوستويفسكي وبريخت وسواهم، لكنني قرأتُ قبلهم المعرّي والتوحيدي والأصفهاني وسواهم. قرأتُ رواية "الجندي شفيك" لياروسلاف هاشيك وغيرها، لكنني قرأت قبلها "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة" لابن المقفع وغيرهما. وقبل ذلك كله، ومعه، قرأتُ القرآن، مثنى وثلاث ورُباع... فلا يمكن أن تكون مثقفًا حقيقيًا إن لم تقرأ ثقافتك وحضارتك ولن تستطيع إتقان العربية والتمكن منها وانتشال "دررها الكامنة في أحشاء بحرها" إن لم تقرأ القرآن.
يكفي أن تقرأوا ما يكتبه بعض "مُفكّري ومثقفي العرب" باللغة العربية اليوم (بعضهم لا يقرَبُها، إطلاقًا!) لتفهموا منبت ومعنى عبارة "الفنانة هيفا وهبة" وطوفانها.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency