مقدمة:
إن أيقونة الميلاد في عناصرها و أسسها و مكانتها , موجودة منذ القرن السابع.
نسأل: ما هو موضوعها؟ ما هي مكوناتها؟ كيف حافظت على هيأتها إلى يومنا هذا؟
العناصر التي تتألف منها هذه الأيقونة: الخلفية المذهبة, القرية , النجمة, المغارة, معلف الحيوانات, الثور و الحمار , والدة الإله في الوسط مع الطفل يسوع, الملائكة, الرعيان, يوسف أمام الشخص الذي يرتدي لباس جلدي اسود, مشهد غسيل الطفل بعد الولادة.
إن مصدر و مقتطفات هذه المشاهد تتطابق مع إنجيل لوقا (2/6-20)، و
 إنجيل متى(2/1-12), وأيضا مع بعض ما ورد في الأناجيل المنحولة.
إن أيقونة الميلاد مرتبة بأسلوب معين كأنها قصة معروفة. ينطبق هذا الأسلوب أيضا على مغارة الميلاد في التقليد الغربي التي تشاد في البيوت قبل عيد الميلاد.
بدأ تقليد مغارة الميلاد لأول مرة في الغرب أبان القرن الثالث عشر في قرية كريشو القريبة من بلدة مار فرنسيس الاسيزي في ايطاليا و انتشر هذا التقليد في كل بلاد الغرب و أصبح من العادات الشعبية.

خلفية الأيقونة المصنوعة من الذهب:
الذهب هو عنصر مميز قائم في جميع الأيقونات. ترمز الخلفية المذهبة بحسب راسمي الأيقونات الى السماوات. وجود الذهب في الأيقونات يعكس ويظهر لنا هيئة الكرة الأرضية حيث تكون مسكنا وموطئا لقدمي الله. والسماء هي مسكن لنفوسنا بعد الخلاص.
 الذهب يمثل نور ملكوت السموات، ويظهر لنا مجد ألآب السماوي بأكمله. فهو يكشف عن سر هذا النور العظيم. ( لا حاجة للمدينة إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله ينيرها ومصباحها الحمل) رؤيا القديس يوحنا 21,23

يمثل الذهب في كافة الأيقونات عالميا نور العالم. إذا الخلفية المذهبة هي حدث تاريخ الميلاد السماوي السري. من خلال الذهب يستطيع الرسام أن يعبر بمهارة معينة عن الأبعاد الظاهرة ما بين الأرض وما وراء الطبيعة.

القرية:
حسب الأيقونة التقليدية للميلاد، أو بالحري قرية الميلاد:( جبالا، معلف، حيوانات، أشجار) كل هذه المخلوقات الأرضية مصورة على الخلفية الذهبية، هي جوهر أساسي لنعمة معرفة الحقيقة وإدراك أن الله يعظم الإنسان ويخلقه على صورته ناقلا شبهه.
إن صلاة العيد تدعونا باستمرار أن نطّلع على هذه الأمور الحياتية بابتهاج وورع فرحين.
جبال، وديان، أدغال، كل هذه الكائنات الحية منغمسة في ملذات الحياة. ها إن الخلاص يقترب فعلا، فالبتول تلد أبن الله أنسانا في بيت لحم.
بيت لحم ترقص، وصهيون ترنم مبتهجة تعلن مسبقا الفرح. النجمة تقفز مبشرة بميلاد المسيح. المغارة تتهيأ لكي تستقبل الآتي إلى العالم لكي يكون موضوع حسب مشيئته الحسنة.

المغارة الثور والحمار:
حسب آباء الكنيسة:
- الطفل في داخل المغارة كما أن جسد الخلاص داخل الكأس.
- والدة الإله هي هيكل التضحية.
-  يوسف والرعيان خدام وشمامسة.
- الملائكة هم المرنمون.
- المجوس هم المؤمنون.
تمثل المغارة بأكملها الكنيسة حسب كتابات القديس غريغوروس النزينزي.
إن الثور هو رمز الشعب اليهودي حسب الناموس، أما الحمار، فهو الشعب الوثني الخاطئ ( الثور يعرف قانية والحمار معلف صاحبه) أشعيا 3، 1.
المسيح أتى لكي ( يصالح الشعوب مع الله كلهم في جسد واحد بالصليب) أفسس
16، 2 .
أما الطفل المضجع في الوسط هو رئيس الكهنة يحتفل بالذبيحة الإلهية من أجل خلاص العالم.( أنا هو الخبز الحي النازل من السماء فمن أكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أعطيه أنا  هو جسدي المبذول لحياة العالم ) يوحنا 51، 6.

الطفل:
نلاحظ في أيقونة الميلاد، دائما أن الطفل يصور وهو مقمّط بأقمشة ومضجع في معلف، ملامحه تشبه تقريبا ملامح بالغي السن على الرغم من انه طفل.
كل هذه الملامح تشير إلى أنه ليس طفل عادي كباقي الأطفال، بل هو الله ابن الله ، أي أن الابن مولود من ألآب قبل كل الدهور كما أنه الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس.
إن الطفل موضوع على خلفية مظلمة لكي يؤكد لنا أنه هو النور الحقيقي الذي لا يفنى
( فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تفهمه) يوحنا 5-4, 1.
إن نور هذا الطفل لن يشير فقط إلى موضع المغارة بل إلى موضع الجحيم وإلى تفاصيل أخرى كما يشير الصليب إلى طريق الخلاص. هكذا أيضاً الطفل مقمط بأقمشة داكنة مضجع في مغارة كما أنه في القبر. هكذا ولد الطفل ومات على الصليب ووطئ الموت بالموت وأصبحنا غالبين الموت والخطيئة. يهدف كل ذلك إلى الربط بين التجسد الإلهي والخلاص كما أن الميلاد والفصح.

والدة الإله:
مريم مع الطفل مستلقيان دائما في وسط الأيقونة، وخصوصا والدة الإله مستلقية فوق نسيج أحمر مخملي فاخر اللون، هذا ليس العنصر الوحيد المناسب لتعظيمها وتكرمها في الأيقونة. إن هذه النظرة تجاه الوالدة وهي مرتدية ملابس تراثية تعود إلى وجهة نظر القديس لوقا الذي كان أول من رسم والدة الإله مع الطفل، معطيا أهمية كبيرة لتكريم البتول كاتبا على أعلى الأيقونة والدة الإله أي أن الله تجسد في أحشائها، وعبر عن بتوليتها من خلال ثلاثة نجوم موضوعة واحدة على جبينها، وواحدة على كتفها الأيمن، وواحدة على كتفها الأيسر، وهو يرمز بذلك الى ثلاثة مراحل بقيت فيها بتولا قبل الولادة وأثناء الحمل وبعد الولادة، هي دائما بتول.
أما الجبل الذي تستلقي عليه العذراء، فهو منفصل عن باقي الجبال ولونه أبيض ليعبر عن تمايز العذراء عن باقي النساء، كونها مكثت دائما بتولا.
العذراء مستلقية لا تلتفت نحو الطفل ،هي تتأمل كل المشاهد والأحداث قائلة: من أين لي هذا دون أن أعرف رجلا( فكانت تحفظ تلك الأقوال كلها وتتأمل فيها في قلبها ) لوقا 19، 2 .

النجمة:
إن للنجمة دورا هاما في أيقونة الميلاد.
تظهر في أعلى الأيقونة, على شكل نصف كرة آتية من العلاء من لدن الرب لكي تقف فوق مكان ولادة الطفل. أما ذنبها الساطع إلى الأسفل بهيئة حمامة لكي يرمز إلى الروح القدس الذي يشير ويدل على موقع الحدث.
النجمة تشكل عنصرا من العناصر الأساسية للبشارة. نعلم من الأبحاث و الدراسات أن أول نجمة وضعت على أيقونة في القرن الثالث كانت على جدرا نية (افرسك) والدة الإله من مقابر(دياميس) كنيسة (Prichilla) (برسيقلا) الواقعة في روما. كل هذا يذكرنا بأحداث الإنجيلي متى (2/1-2).

يمكننا أن نستنتج من كتاب سيرة القديسين (السنكسار) بعض أفكار أباء  حول النجمة  ومنها:
• إن النجمة لم  تكن كسائر النجوم, بل لا شك أنها قوة إلهية أو ملاك اخذ شكل نجمة لكي يتلاءم مع إدراك المجوس.
• وهذه النجمة كانت تتحرك بحركة عشوائية و نورها اسطع من الشمس.
• نراها متحركة ساعة هنا أو ساعة هناك, من أقصى شمال بلاد الفرس تنطلق إلى أقصى جنوب أورشليم.
• تتجلى بوضوح أمام المجوس.
• تقترب أكثر فأكثر من اجل أن تسطع بوضوح وتدل على مكان المغارة حيث يضجع السيد.
• أشياء كثيرة عن النجمة لم يكن يعرفوها و لكن في النهاية استطاع المجوس أن يعثروا على موضع المغارة و أن يسجدوا ممجدين شمس العدل . " قد أشرق نور المعرفة للعالم" (نشيد الميلاد).

نلاحظ في الكنائس البيزنطية أن الكاهن عندما يهيئ الذبيحة على مذبح اليسار قبل بداية القداس الإلهي,  في النهاية يضع أقواس معدنية فوق صينية القرابين لكي تشابه مغارة بيت لحم وداخل الأقواس في الوسط معلقة نجمة.
 هذه النجمة تدعونا إلى تناول جسد الخلاص كما دلت النجمة المجوس إلى المغارة.

 المجوس:
إن حضور المجوس في الأيقونة، يتوافق ما كتب في إنجيل (متى 12-1/2 ) أي أن المجوس جاءوا من بعيد لعبادة الطفل.
لهذا فإذا ما تساءلنا عن سبب رسم كل هذه الأحداث والمشاهد الإنجيلية في الأيقونات أي على الخشب؟ لأن الناس في السابق لم يكونوا ملمين بالقراءة والكتابة، فعلى هذا النحو كانوا يفهمون، من خلال مشاهدة الأيقونات المرسومة وبوحي من الروح القدس، أحداث الإنجيل إنه أحد أبرز أسباب رسم الأيقونات.
رقم المجوس ثلاثة: يصوّرون ممتطين الأحصنة صاعدين من على يمين جبل المغارة يشيرون إلى مكان ظهور النجمة التي أرشدتهم إلى مكان المغارة.
أما بالنسبة لملابسهم فهم يرتدون زيا فارسيا. فالنجمة وكما أشرنا أعلاه كانت تسطع من أقصى شمال بلاد فارس وتنطلق إلى أقصى جنوب أورشليم ،ما يؤكد أنهم كانوا آتين من بلاد فارس.
حسب آباء الكنيسة إن المجوس هم باكورة حسني العبادة،أي أنهم أول المؤمنين وهم أول من بشر الشعوب الوثنية في بلاد بابل بولادة المسيح.

غسيل الطفل:
يوجد في أسفل أيقونة الميلاد، ومن جهتها اليسرى امرأتان تغسلان الطفل بعد الولادة.
حسب الأناجيل المنحولة وكذلك التقليد القبطي فإن المرأة الموجودة في الناحية اليسرى للأيقونة هي سلومة أي المرأة التي رافقت العائلة المقدسة من بعد الولادة، الهروب إلى مصر. وأما المرأة الموجودة في الجهة اليمنى والتي تظهر وكأنها تحدث الطفل تمثل أمنا الأولى حواء التي كانت تنتظر مجيء المخلص كي تنال هي أيضا الخلاص.

يوسف خطيب مريم:

نجد بين الأشخاص الموجدين في أيقونة الميلاد يوسف خطيب والدة الإله. وهو يظهر في أسفل الأيقونة يتجه نحو شخص يرتدي لباسا جلديا أسودا بدل أن يتجه نحو والدة الإله والطفل وهو يسند رأسه بيده متعجبا غارقا في أفكاره.
(يا من لم تختبر زواجا و بها تألهنا, يا فتاة ولدت للمؤمنين فتى بلا عيب) من صلاة المدائح.

الملائكة:
لا شك أن في أيقونة الميلاد حضور دائم للملائكة، متفوهين بهيئات مختلفة، و بأعداد مختلفة كثيرة. فالبعض منهم متجه نحو السماء ،وواحد منهم متجه نحو الرعيان مبشرا عن ولادة الطفل الإلهي , قائلا:( لا تخافوا ! ها أنا أبشركم بخبر عظيم يفرح له جميع الشعوب : ولد لكم اليوم في مدينة داوود مخلص هو المسيح الرب ) لوقا  11-10 , 2 .
لذلك نجد هناك دور هام للملائكة في السماء و على الأرض لأنهم يخدمون البشر حسب وصايا و مشيئة الله، و في ذات الوقت يخدمون الله بحماية و رعاية البشر.