الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 05 / نوفمبر 09:02

كلمة لا بدَّ منها في ضرورة الانفتاح على الآخر-بقلم/ نعمان فيصل

نعمان فيصل
نُشر: 15/05/22 00:49

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

لعل ما يسترعي انتباهنا، ونحن نتحدث عن ضرورة الانفتاح على الآخر التصدي لأي بادرة تهدف إلى إثارة الفتن والاضطرابات داخل المجتمع من باب المسئولية الدينية والوطنية والإنسانية، فما زالت هناك إشكاليات تسير نحو الانغلاق والانطواء واحتباس الرؤية، وما زالت القضية الفلسطينية تتأرجح تحت زلزلة متوحشة يدفع ضريبتها أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، خاصة إذا كان الرأي يتصل بقضية دينية، فهناك اتهامات جاهزة بالكفر والإلحاد، وإذا كان يتصل بقضية سياسية، فصاحب الرأي عميل للأعداء، وصنيعة الاستعمار، وإذا كان يتصل بقضية اجتماعية يمكن أن يوجه لصاحبه الاتهام بإشاعة الانحلال والفساد في المجتمع.
وبهذا، وقعنا في الفخ، ووصمنا الإسلام بما ليس فيه، وجعلنا ندفع ثمناً فادحاً ومزدوجاً في كل الأحوال، فطبيعة الإسلام السماحة والعفو، ولا تحتاج إلى واسطة من أحد، وعلاقة بين العبد وربه، والعقيدة طور من أطوار القلوب يجب أن يكون مردها بيد علام الغيوب، فهو الذي يحاسب عليها، كذلك، فإن أمر الجنة والنار بيد ربّ الجنة والنار، وأما المخلوق فلا تطول يده إليهما، فالدين لله، والوطن للجميع.
ولا شيء يسيء إلى الدين، ويُنفّر الناس منه، مثل ادّعاء بعضهم أنهم حفظته والأوصياء عليه، بينما هم أسوأ الناس خلقاً، وفي هذا يقول البلغاء: (معلّم الأخلاق صار أسوأ الناس أخلاقاً)، لذلك يخرج المتعلمون من بعض المؤسسات الأكاديمية لا حول ولا قوة لهم من العلم، فلا هم أدباء كالأدباء ولا هم علماء كالعلماء ولا هم فقهاء كالفقهاء، وكما قيل:
أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها
ونستطرد مع المتنبي فنقول بلسانه الحكيم:
وكم من عائب قولاً سليماً وآفته من الفهم السقيم
وفي الختام أود أن أذكر بعض المواقف والقصص لتوضيح روح الإسلام العظيم الذي ندين به:
أولاً: لقد علمنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن نتعاون مع الناس كل الناس في نصرة المظلوم، مهما كان دينه أو لونه أو جنسه، وفي ذلك يقول النبي عن حلف الفضول الذي تم في الجاهلية: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما يسرني أن لي به حُمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت).
وفي يوم من الأيام دخلت عليه (سفّانة ابنة حاتم الطائي)، وكانت قد أسرت في معركة من المعارك، وقالت: ("يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، وإني أريد منك أن تطلق سراحي، فأنا سفانة ابنة حاتم الطائي، الذي كان يحب مكارم الأخلاق")، وهنا تأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الكلمات، وقال لأصحابه: فكوا إسارها، وجميعُ من معها إكراماً لها، وهنا رفعت تلك الفتاة يديها إلى السماء، وقالت: يا محمد، أصاب الله ببرك مواضعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا أصاب قوم بمصيبة إلا وجعلك سبباً في إزالتها.
قال النبي لأصحابه: اسمعوا دعاءها واحفظوه، وأكرموها، وأكرموا جميع من معها، وأطلقوا سراح الجميع إكراماً لتلك التي أصابها الأسر بعد عز، وبعد أن كانت من سادات القوم، هكذا يعلمنا رسول الله المروءة، تلك المروءة التي تجعل الناس يحسون بالأمان والرخاء، ويحسون بنعم الله سبحانه وتعالى عليهم.
ثانياً: الإسلام دين التعددية، ويقوم على احترام آراء الآخرين مهما بلغت درجة ابتعادها واختلافها، بل وتغايرها عن آرائنا وأفكارنا، وفي هذا السياق، ما أحوجنا إلى استلهام قول أحد الأئمة: (هذا رأينا، فمن جاء بأحسن منه قبلناه)، وأيضاً (قولي خطأ يحتمل الصواب، وقول غيري صواب يحتمل الخطأ)، وقد عبّر الشيخ محمد عبده منذ أكثر من قرن عن روح التسامح التي تسع كل تنوع في الآراء دون الخشية من أي اتهامات جاهزة بقوله الشهير: (لو كان الرأي يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر)، وتحضرني هنا أيضاً عبارة فولتير الشهيرة: (قد اختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لحقك في الدفاع عن رأيك).
ثالثاً: لا يجوز لأي طرف من الأطراف أن يدّعي لنفسه أنه وحده الذي يملك الحق المطلق، وأن غيره يقف في الطرف المقابل الذي يتساوى مع الباطل، لذلك، فالديانة الإسلامية لم تأمر بسوء المعاملة من المسلم لغير المسلم، وإذا كان بعض المنتسبين إلى الإسلام قد فعل هذا فليس فعله بحجة على الإسلام، بل هو تعصب قبيح غير مندوب ولا مستحب، والشريعة لم تأمر بشيء من هذا، وأود أن أشير إلى آية كريمة تبرز المشتركات الجوهرية بين أتباع الأديان في صورة رائعة تدعو إلى التأمل، وفي ذلك قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم وهم يحزنون).
رابعاً: إن الدين الإسلامي دين الحداثة والتقدم، ولا بدَّ أن نتذكر قول الإمام ابن القيم الجوزية: (أينما أسفر وجه العدل فثمة شرع الله ودينه، ولو لم ينزل به وحي، ولا نطق به رسول). ولله در مَن قال:
يقولون في الإسلام ظلماً بأنه
يصد ذويه عن طريق التقدم
فإن كان ذا حقاً فكيف تقدمت
أوائلهُ في عهدها المتقدم؟
وإن كان ذنبُ المسلم اليوم جهله
فماذا على الإسلام من جهل مسلم؟
وبدون ذلك سيظل طرف يبني وآخر يهدم، لينطبق عليهم قول الشاعر بشار بن برد:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟

مقالات متعلقة