الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 16 / مايو 05:01

أنقذونا من الإعلانات!! /بقلم:عارف الصادق

كل العرب
نُشر: 02/02/14 09:16,  حُتلن: 09:24

عارف الصادق:

هل يجوز لنا أخيرا أن نحلم بقيام صحيفة حرّة، أسبوعيّة أو شهريّة، لا حزبية ولا فئوية

الأدب يا عيني على الأدب وكل ما يُنشر من أدب.لا محرّر لتقييم المادّة ولا غيره.كلّ ما يصل من "أدب" يُنشر مهما كان سخيفّا مسفّا كلّ من يكتب خربشات ويسمّيها قصيدة أو قصّة يـُستقبل على الرحب والسعة

في الماضي البعيد، قبل ظهور التلفزيون في حياتنا هنا في إسرائيل، قرأت وأنا تلميذ في الثانوية مقابلة متخيّلة ساخرة، بين صحفي أجنبي ورأسمالي أميركي، بعنوان: "أحد ملوك الجمهوريّة". في كل سؤال عن قيمة الغناء، أو الموسيقى، أو الرسم، أو الأدب عامّة، ولا أذكر دقائق المقابلة في هذه الأيام، يجيب الرأسمالي الأميركي، أحد ملوك الجمهورية، أنها جميعها فنون رائعة ومفيدة، تجعل المستهلك يلتهم الإعلان التهاما، فيشتري المنتج دونما تردّد أو تفكير. هكذا يفهم السيّد مهمّات الآداب والفنون جميعها!

لم أفهم يومها العلاقة بين الفنون المذكورة والتسويق، ولم أعرف العلاقة بين الفنون والإعلانات أصلا. لكنني اليوم فهمتها على جلدي، بل فتحتْ فجوة في رأسي أيضا. أستبق غضب الكثيرين عليّ ، وشتائمهم ربّما، فأقول إني لست ضدّ الإعلانات إذا كانت معقولة وبمقدار. أما أن تطغى على الصحيفة أو الإذاعة تماما فهذا كثير، كثير جدا.
في الماضي، في أواخر الخمسينات، وليعذرني الشباب على ذكر ماض بعيد عنهم زمنا ونمط حياة، كانت عند العرب هنا، في هذه البلاد، وكانوا يومها أقلية لا تتعدّى المئتي ألف، مجلّتان أدبيّتان تصدران شهريا: "الجديد" في حيفا، و"المجتمع" في الناصرة. أين المجلات الأدبيّة اليوم؟ هل هناك مجلّة أدبية واحدة يلتفّ حولها الكتّاب والشعراء، وتحمل رسالة واضحة، في السياسة أو غيرها؟ التفتوا حولكم. هل تجدون غير الصحف الحزبية الفئوية، وأسبوعيّات البلاش المبتذلة؟

توزّع مجّانا
في كلّ مدينة، أو قرية في أحيان كثيرة، تصدر في هذه الأيام "كزيطة" أسبوعية أو أكثر يوم الجمعة. طبعا توزّع مجّانا، بل يوصلونها إلى باب بيتك، ويلقونها هناك مع الفجر. تفتح الأسبوعية المذكورة فتجد صفحة أخبار محليّة، لا تتعدّى أحيانا مستوى "المقلتة" الرخيصة، ثم تصدمك بعدها صفحة كاملة أو أكثر من إعلانات اللحمة، أو الملابس، أو الكنادر. طبعا يمكننا أن نغضب، ونسبّ الدين كمان. لكنّنا تعوّدنا على هذا الإسفاف. نعرف أن الإعلان عن اللحمة يموّل الصحيفة والعاملين فيها. أمّا الشعر والقصّة والأبحاث فلا تسوى في نظر صاحب الصحيفة بصلة. لا تدرّ الأرباح. لا قيمة لها سوى إيهام القارئ بأن الصحيفة هي صحيفة فعلا، يهمّها الشعر والقصّة والأبحاث. لكن هذه كلّها لا تساوي شيئا في نظر صاحب الصحيفة. في الماضي كانت للصحف غايات سياسية وثقافية واجتماعية، أما اليوم فالواضح في معظم الدوريات المحليّة، أن هذه الغايات جميعها لا تساوي قيمة إعلان اللحمة أو الكنادر. هل من الضروري التأكيد ثانية أننا لسنا ضدّ الإعلانات التجاريّة في الصحف، ونفهم قيمتها في نظر صاحب الصحيفة، لكن نفهم أيضا أن كلّ شيء قد ينقلب إلى ضدّه إذا زاد عن حدّه!
المواقع الإلكترونية أيضا ليست أحسن حالا. أفتح بعض المواقع أحيانا، فأجد الإعلانات تغطّيه من رأسه إلى كعبه. غالبا ما أضيع في هذا الزحام، فأغلق الموقع وأفتحه ثانية، علّني أقع على مبتغاي، وقد لا أوفّق في ذلك. تجد في الموقع قصص الممثّلين والممثلات، وفضائح الفنانين والفنانات، من تزوّجت ومن تطلّقت، بل تجد أحيانا حلقات المسلسلات العربيّة والتركيّة مسجّلة حاضرة لمشاهدتها وسماعها. أما الموادّ الأدبيّة أو الأبحاث العلمية والاجتماعية الجادّة فضائعة لا تكاد تظهر في ثنايا أخبار المقلتة والفضائح. وتسأل نفسك: هل هذا فعلا هو كل ما يهمّ القراء عندنا، أم تلك هي تقديرات المحرّر وصاحب الجريدة لا غير؟!

تقييم المادّة 
والأدب، يا عيني على الأدب، وكل ما يُنشر من أدب. لا محرّر لتقييم المادّة ولا غيره. كلّ ما يصل من "أدب" يُنشر مهما كان سخيفّا مسفّا. كلّ من يكتب خربشات، ويسمّيها قصيدة أو قصّة، يـُستقبل على الرحب والسعة. لماذا نلوم "الكتاب" و"الشعراء"، على نشرهم السخافات، إذا كانوا يُستقبلون بحفاوة كأنهم طه حسين أو محمود درويش! بل إن بعض هؤلاء " تكْبر في رؤوسهم " فيتوجّهون إلى ناشرين في عمّان أو بيروت أو القاهرة، لنشر نتاجهم بالأجر المعقول. وإذا فتحت فمك ناقدا المستوى الهابط لنتاجهم، غضبوا عليك، واتّهموك بدوافع غير ذات صلة. أجيبوني بربّكم: هل يتغيّر الزبل إذا نُشر في البلاد العربيّة، في دور نشر مفلسة، ميّتة على القرش، تهمّها جيبتها أكثر من مستقبل الأدب؟ هل ينقلب الزبل تبرا؟
الصحف العبرية أيضا تحتاج إلى الإعلانات. لكنّ اللحمة، وغيرها من الإعلانات، لا تزاحم الأخبار الهامّة، فتخنقها على الصفحة الأولى أيضا. هناك، في الصحف العبريّة، يعانون أيضا من شحّ الموارد. بل هم مضطرّون أيضا إلى دفع المعاشات الكثيرة للكتّاب في الجريدة وللفنيين، وتلك مدفوعات غير قليلة بكل المعايير. مع ذلك لا تضيع الصحيفة ورسالتها بين إعلانات اللحمة والكنادر. الإعلانات هناك هي الوسيلة، والجريدة ورسالتها، ولا يهمّنا هنا نوعيّة الرسالة، هي الغاية. أمّا عندنا فلا غاية للجريدة، في معظم أسبوعيّات البلاش، سوى الإعلان والارتزاق. إذا أصبح الارتزاق هو الغاية القصوى للجريدة، وصاحب الجريدة لا غاية له سوى الارتزاق، لم تعد الصحيفة صحيفة، ولا المحرّر محرّرا. حتى الإعلانات يتزاحمون عندنا في جمعها، فيخفضون بذلك أسعارها، والمُعلن يمكنه أن يساوم ويتدلّل على الصحيفة. باختصار: ما أكثر الصحف عندنا في هذه الأيام وما أقلّها!
هل يجوز لنا أخيرا أن نحلم بقيام صحيفة حرّة، أسبوعيّة أو شهريّة، لا حزبية ولا فئوية. ذات رسالة وطنيّة واضحة، سياسية أو اجتماعية أو أدبية . يدفع القارئ ثمنها ليتمكن من قراءتها. تنشر الإعلانات طبعا، لكنّ الإعلانات تظلّ فيها وسيلة لا غاية. نرجو ذلك، أو نحلم بذلك على الأقلّ؟!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة