الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 09 / مايو 10:02

السياسة من أجل القضايا العربية أم القضايا العربية من أجل السياسة/الأسير سمير سرساوي

كل العرب
نُشر: 15/01/13 19:11,  حُتلن: 15:04

الأسير سمير سرساوي في مقاله:

 يبقى "غربال" المصداقية الجماهيرية هو المحك الذي تنكشف أمامه المعادن الحقيقية من تلك المزيفة حتى وإن تمكن البعض من خداع الناس وتضليلهم هنيهة من الزمن 

سأسعى إلى تطبيق تجربتي الشخصية على واقعنا المعاش وأقدّم شهادتي لأربع وعشرين سنة من عمري أمضيتها داخل السجون دفاعا عن شعبي وقضيته الوطنية العادلة فما لقيته من إهمال أنا وبقية الأسرى من فلسطينيي الداخل يفوق بكثير ما أغدق علينا "تشدّقًا" من اهتمام

الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعيشه جماهيرنا الفلسطينية في الداخل بما يمثله من تيارات وأحزاب سياسية متعددة ومختلفة وما تطرحه من برامج ورؤى سياسية "شعاراتية" موسمية أو عملياتية مستدامة يكون لها انعكاساتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة علينا في داخل السجون

أنا مثلا لا أنتمي للحركة الإسلامية سياسيا ولا أعتقد أنني سأكون عضوا فيها في يوم من الأيام ولكني وجدت من هذا الرجل خلال السنوات التي تواصل فيها معنا مصداقية قل نظيرها مقارنة بتجربتنا الطويلة مع آخرين

أدرك أن كلامي هذا قد يحسب تحيزا لأحد على حساب أحد، ولكن إذا كان قول حقيقة هذا الرجل تحيزا فأنا أتشرف أن أكون متحيزا لهذه الحقيقة. ومن يرَ بنفسه منزعجا من هذه الحقيقة فخير له أن يسير على خطى هذا الرجل فإن فعل فعندها سأتشرف بذكر الحقيقة

يستند العمل السياسي الناجح في جوهره على ملامسة هموم وطموحات الناس والسعي الجاد والدؤوب على التخفيف منها وتحقيقها. بينما يتكئ انتهازيو السياسة على عصا "الديماغوغيا" مستغلين بذلك احتياجات وعواطف الآخرين بغية تحقيق مآربهم الشخصية. وهذه المعضلة تواكب العمل السياسي منذ نشأته وحتى يومنا هذا. ونحن في العالم العربي لسنا استثناءً عن باقي الأمم، فمجتمعاتنا تغص بالمتسلقين أكثر بكثير من الإيثاريين. وبشكل عام، يبقى "غربال" المصداقية الجماهيرية هو المحك الذي تنكشف أمامه المعادن الحقيقية من تلك المزيفة، حتى وإن تمكن البعض من خداع الناس وتضليلهم هنيهة من الزمن.

وبالاستناد إلى هذا السياق النظري العام سأسعى إلى تطبيق تجربتي الشخصية على واقعنا المعاش، وأقدّم شهادتي لأربع وعشرين سنة من عمري أمضيتها داخل السجون دفاعا عن شعبي وقضيته الوطنية العادلة، فما لقيته من إهمال أنا وبقية الأسرى من فلسطينيي الداخل يفوق بكثير ما أغدق علينا "تشدّقًا" من اهتمام. فكما الفكرة ابنة أبيها تبقى المواقف الرجولية ابنة صانعيها. فالحراك السياسي والاجتماعي الذي تعيشه جماهيرنا الفلسطينية في الداخل بما يمثله من تيارات وأحزاب سياسية متعددة ومختلفة، وما تطرحه من برامج ورؤى سياسية "شعاراتية" موسمية أو عملياتية مستدامة يكون لها انعكاساتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة علينا في داخل السجون. وهذا على ما يبدو ما يجهله حكماء ساستنا. لذلك قررت أن أعيد وجع هذا الانعكاس قارعا بصوتي الحبيس على "طبلة" أذن من يعنيه الأمر من جهة، وفاتحا "دفة" وجع روحي أمام جماهيرنا العظيمة التي تعلمنا منها الوفاء من جهة ثانية.

قول الحقيقة
إن الكتابة بداعي الألم لا يراد بها استجلاب التعاطف ولا استجداء المصلحة في المكان الذي لا يعرف غير التضحية سبيلا لبلوغ الهدف، وإنما هو ناجم عن رغبة جامحة في قول الحقيقة أيا كانت نكهتها، حتى وإن كانت مبنية على تجربة شخصية لها محيطها الاجتماعي والأسري. فقلة هم أعضاء الكنيست الذين تبنوا قضيتنا واهتموا بشأننا السياسي والإنساني على مدار هذه السنوات المريرة، على الرغم من استخدامها كشعارات زائفة في كثير من الحملات الانتخابية. فإذا كانت نظرة الأغلبية إلينا موسمية فإن الله رزقنا ببعض من صدقوا عهده وعهد أمتهم، ويأتي في مقدمة هؤلاء الرجال الأخ النائب إبراهيم صرصور "أبو السيد" الذي نكنّ له كل المحبة والاحترام على الجهود الجليلة والكبيرة التي يبذلها في خدمتنا وخدمة ذوينا دون كلل أو ملل. وهذه كلمة شكر متواضعة أرجو أن يوفقني الله بتقديمها في مكانها المناسب.

مصداقية
فأنا مثلا لا أنتمي للحركة الإسلامية سياسيا، ولا أعتقد أنني سأكون عضوا فيها في يوم من الأيام، ولكني وجدت من هذا الرجل خلال السنوات التي تواصل فيها معنا مصداقية قل نظيرها مقارنة بتجربتنا الطويلة مع آخرين. حيث أن هذه المصداقية أصبح لها احترام كبير لدى الكثير من الأسرى الذين عرفوا أبو السيد مباشرة أو من خلال مراسلتهم له ومتابعة قضاياهم. فقد أصبح عنوانا لأسرى من عدة مناطق فلسطينية يسعى لحل قضاياهم العالقة. فقد اجتمعت بهذا الرجل ما لا يقل عن ثلاث وعشرين مرة، حيث كل لقاء كان يدوم أحيانا ما بين ساعة وثلاث ساعات، وكلما كان الوقت ينتهي كنت أعبّر له عن عظيم شوقي للقائه، ولا أتركه يغادر حتى أعرف مدة الوقت الذي سيغيبه عنا. وليس صدفة أن يقال لنا من قبل مسؤولين بإدارة السجن أن صرصور هو الوحيد الصادق بقضيتكم، فهم متابعون لكل مراسلاته بقضيتنا كأسرى. فهو كان العامل الممنهج والمتابع لقضية تحديد أحكامنا المؤبدة وكأنها قضيته الشخصية. وفي الجانب الإنساني بصلته بالأهل فقد كان هو والأخ مسعود غنايم الوحيدين اللذين شاركا في جنازة أخي أبو صالح الذي توفاه الله قبل سنة وشهر، وزارني بسجني الأمر الذي ساهم بالتخفيف عني ورفع معنوياتي كثيرا. فرمزية المسألة لها اعتباراتها الوجدانية خلف القضبان أضعاف أضعاف تلك التي تدور خارجها. فأنا أدرك أن كلامي هذا قد يحسب تحيزا لأحد على حساب أحد، ولكن إذا كان قول حقيقة هذا الرجل تحيزا فأنا أتشرف أن أكون متحيزا لهذه الحقيقة. ومن يرَ بنفسه منزعجا من هذه الحقيقة فخير له أن يسير على خطى هذا الرجل، فإن فعل فعندها سأتشرف بذكر الحقيقة.

سجن جلبوع 9/12/2012

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة