الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 12 / مايو 04:01

صمود أحمد سعدات: تحد وصمود

كان مدهشا ما تخفيه تلك الابتسامة الناعمة، والملامح الأنثوية، من قوة شخصية بدت واضحة عندما تحدثت صمود عن والدها المناضل الفلسطيني أحد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية الذي اعتقلته القوات الإسرائلية من سجن أريحا في الرابع عشر من شهر آذار 2006 ، أمام أعين العالم أجمع.
صمود إبنة العشرين ربيعا، وهي طالبة في جامعة بيرزيت وصفت مشاعرها في تلك اللحظات قائلة: "عدما تلقيت خبرمحاصرة القوات الإسرائيلية لسجن أريحا المعتقل فيه والدي بواصاياه أمريكية  شعرت بشعلة من الغضب تحترق بداخلي على الطريقة المذلة التي جرت فيها عملية الاعتقال، وعلى الرغم من ذلك كنت متماسكة ، وتجنبت أن أعانق أمي لكي لا أبكي ".
وتضيف وعيناها تنطق حزنا: " أصبحت أمهد لاستشهاده ، فالنضال له استحقاقاته  وهناك ضريبة تدفع مقابل الوطن، وكان والدي  يردد دائما أنه مشروع شهادة، لذا بدأنا نألف هذه الفكرة "

لكل مرئ من اسمه نصيب 
الصمود والتحدي أكثر ما عرفت به صمود بين عائلتها وأصدقائها، تقول: " ولدت وأبي في السجن وكان صامدا في التحقيق لمدة 100 يوم رغم التعذيب على أيدي الجنود الإسرائليين، ومن هنا جاء اسمي صمود". وتواصل: " من الصعب أن تفتقدي والدك في مراحل مهمة من حياتك ونشأتك، وتلتقيه في فترات قصيرة جدا، فعندما خرج والدي من السجن كنت أخاف منه فلم أكن أعرفه، لذلك خصني باهتمام كبيرفي صغري، ومنذ تلك اللحظة علاقتي بوالدي علاقة متميزة لا تحكمها قيود أبوية، وإنما علاقة صداقة وتفاهم".
وراء كل رجل عظيم إمرأة
عبلة سعدات، كانت الأم والأب والأخت والصديقة، ودخلت العائلة في أصعب مراحلها عندما اعتقلت هي الأخرى في عام  2003، لفترة بسيطة، إلا أن صمود تشير إلى تماسك العائلة داخليا في تلك الفترة بمساعدة الأهل والأصدقاء، تقول: " كانت الوالدة مسؤولةعن كل شئ وكنا نستمد منها قوتنا وثباتنا، وكانت شديدة في المواقف التي تحتاج الشدة لأنها تشعر بعبء المسؤولية ".
عرين الأسد
منزل أحمد سعدات كان يعج بالروح النضالية وكانت الثورة تسكن في كل ركن من أركانه، وهذا ما مهد الطريق لصمود التي تعلقت بالعمل السياسي والنضالي منذ الصغر ، فكانت عضوا في اتحاد لجان الطلبة الثانويين، ثم انخرطت في الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت، لتكون عضو هيئة إدارية في حركة القطب الطلابي التي تمثل اليسار الفلسطيني، تقول: "المرأة الفلسطينية أثبتت نفسها، فكانت الشهيدة والأسيرة، وضحت بأغلى ما تملك، فهناك هدف نصب عينيها، وهو النهوض بالوطن على جميع الأصعدة ".
اقتحام الجيش الاسرائيلي لمنزل سعدات مشهد وحشي محفور في ذاكرة العائلة: " منذ كنا صغار ونحن نرى جنود الاحتلال يقتحمون المنزل بهمجية ويكسرون الزجاج، ويبحثون في كل مكان عن أوراق لها علاقة بالجبهة الشعبية والعمل السياسي، إلا أن والدي كان حذر لأبعد الحدود، وقد عودنا على السرية التامة، وهذا شعور متعب".
المسؤولية
تعودنا على تحمل المسؤولية، هذا ما أكدته صمود :" كوني بنت المناضل أحمد سعدات هذا يفرض قيود اجتماعية ، بالإضافة إلى الإحساس بالمسؤولية تجاه مواصلة النضال".
الشوق والحرقة اعتليا وجهها عندما سألناها ماذا تقولين لوالدك خاصة أنكم ممنوعون من زيارته أو التحدث معه وتجهلون حتى الآن كم تستمر مدة اعتقاله، أجابت :" أشتقت لك كثيرا وأتمنى أن تكون إلى جانبي في حفل تخرجي من الجامعة، وأريدك أن تعلم أنك قدوتي في عطائك المستمر".
الرقص الشعبي
الرقص الشعبي من بين النشاطات المتنوعة التي تمارسها صمود، والتي تصب دوما في الإطار الوطني والثقافي، فهي عضو في فرقة وشاح للدبكة، إذ تعتبر الرقص نوعا من التفريغ والرفض لأي واقع سياسي أو اجتماعي سيء، تؤكد صمود: " أن هدف الفرقة هو خلق وحدة عربية بالرقص الشعبي، فقد جسدنا مجموعة رقصات من عدد من البلدان العربية من لبنان من سوريا من العراق، وأخذنا من كل قطر أغنية ".
تصف صمود مشاعرها أثناء الدبكة فتقول :" يتولد لدي إحساس مميز عندما أضرب الأرض بقدمي، وأبحث طوال الوقت عن الابتسامة على وجوه الحضور، فالنضال المستمر، ولن يتوقف أن بحثنا عن السعادة ".
الحلم ... والأمل ..
صمود فتاة متميزة وهي تترك أثر في كل من يعرفها ، تستطيع أن ترى الثورة التي تسكنها، وأن تشعر بالشغف الذي يملأها للحياة تقول: " طموحي أن أكمل تعليمي  في تخصص علم الاجتماع، فأنا اعتقد أن دراسة علم الاجتماع تمكنك من أن تكون ناجحا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، وحلمي أن أقدم شيء لقضيتي التي أؤمن بها ".
تحلم صمود بيوم تحرير فلسطين، وتأمل أن تعيش في جو أسري طبيعي، وهي  تؤمن ببزوغ شمس الحرية، التي ستمحو ظلام الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، وترى بارقة الأمل في السيد حسن نصر الله الذي استنهض ما تبقى من  الكرامة العربية، وتوجه بذلك رسالة إلى كل الشباب العربي وخاصة الفتيات :" نحن أصحاب حق، وعلينا أن نعمل جاهدين لتغير واقعنا، ونترك خلفنا كل الاختلافات الدينية والحزبية، فالهدف مشترك".
من بين كل الذكريات الأليمة والمحزنة، سألناها عن موقف طريف يذكرها بوالدها فقالت: " في فترة من الفترات كان لدينا كلب، وبالطبع فهو ينبح على الغرباء، وأبي كان يأتي على المنزل في فترات متباعدة، فإن لم يكن معتقل فهو مختبئ خارج المنزل، وما أن دخل والدي البيت حتى بدأ الكلب بالنباح عليه ومنعه من الدخول، فكنا نضحك ونحن نحاول أن نبعد الكلب عنه ".

مقالات متعلقة