الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 25 / مايو 10:02

التغيير المقترح لقانون التنظيم والبناء- نقطة تاريخية فاصلة- بقلم: المحامي قيس ناصر

كل العرب
نُشر: 11/05/10 07:59

- المحامي قيس ناصر في مقاله:

* التغيير المقترح لن يحل مشاكل التخطيط العسيرة ومشكلة البناء الغير مرخص في البلدات العربية بل سيؤزمها على نحو خطير جدا

* ارى ان التغيير المقترح يعد نقطة تاريخية فاصلة في نضال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لنيل حقوقهم الكاملة في الأرض والمسكن والتطور

* التغيير ذاته يعاني من عيوب جوهرية تمس بشكل كبير حقوق المواطنين العرب, بل تقضي بشكل كبير على الأحتمالات الواردة حاليا لحل مشاكل التنظيم والبناء في الوسط العربي

قبل سرد بعض من الأخطار الكامنة في التغيير المقترح لقانون التنظيم والبناء, على مقترحي القانون الجديد ان يدركوا ان لقانون التنظيم والبناء طبيعة خاصة جدا تختلف عن غالبية القوانين الأخرى. ذلك ان قانون التنظيم والبناء يقيم مؤسسات كاملة للتخطيط, ينظم صلاحياتها, يقيم جهاز مخططات هيكلية كامل ويحدد اهداف كل مخطط. لهذا فانه حتى لو كان هدف التغيير في هذا القانون تسريع الأجراءات التخطيطية وتحريك الجمود التخطيطي في البلاد, كما يدعي مقترحو التغيير, فلا يمكن القبول بان يشرّع هذا التغيير الا بعد دراسة عميقة, مهنية, واسعة وشفافة, تجريها على الأغلب لجنة تحقيق او فحص رسمية تستمع الى آراء كل المعنيين من افراد, مؤسسات, نواب ووزارات, وبالأخص من عرب البلاد, الأمر الذي لم يتم على الأطلاق قبل ان تقترح الحكومة هذا التغيير الأخير. جهاز القضاء في اسرائيل, والذي يشابه الى حد ما جهاز التخطيط, يعاني هو ايضا من ضغط كبير, الا ان اي تغيير في جهاز المحاكم لم يشرّع الا بعد تشكيل لجنة فحص مهنية ورسمية درست الوضع القائم وقدمت توصياتها بشأن التغيير المرجو. وفي الحقيقة, ان اقامة لجنة بحث رسمية كهذه لبحث التغييرات اللازمة لقاون التنظيم والبناء هو ضرورة حتمية بل لزام, وذلك على ضوء مشاكل التنظيم والبناء في البلدات العربية والتي تتفاقم يوما بعد يوم الى حد باتت تهدد وجود العرب وبقائهم في البلاد. لهذا ارى ان اقتراح تغيير القانون دون لجنة فحص رسمية ومهنية تستمع الى كل ذوي الشأن من مواطنين ومختصين, ودون بحث قضايا التنظيم وهدم البيوت في البلدات العربية, يعد اقتراحا متهورا وغير مسؤول.
عدا الأنتقاد على طريقة تحريك التغيير, فان التغيير ذاته يعاني من عيوب جوهرية تمس بشكل كبير حقوق المواطنين العرب, بل تقضي بشكل كبير على الأحتمالات الواردة حاليا لحل مشاكل التنظيم والبناء في الوسط العربي. من هذه العيوب اذكر اولا, ان القانون يقترح تخويل اللجان المحلية المصادقة على مخططات هيكلية محلية. الا ان هذه اللجان لا تخول لهذا الغرض الا من قبل وزير الداخلية بعد التشاور مع لجنة توجيهية لا يوجد فيها اي تمثيل للعرب في البلاد ولا للسلطات المحلية العربية. كما ان اللجنة المحلية المرشحة للحصول على صلاحية المصادقة على الخرائط الهيكلية المحلية, لا تحصل على تخويل وزير الداخلية الا اذا كانت "تفعل بشكل مهني وناجع جهاز تخطيط وترخيص ورقابة", وهي شروط قد لا تتوفر في اغلب اللجان المحلية المسؤولة عن البلدات العربية لأسباب مادية او جوهرية اخرى تمنع عنها "الأداء المهني والناجع" الذي يحدد التغيير مقوماته. ثانيا, يقترح التغيير ايضا ان يعيّن مكان اللجنة المحلية التي لا تحصل على تخويل وزير الداخلية, لجنة بديلة تستبدل اللجنة المحلية الى ان تحصل الأخيرة على تخويل وزير الداخلية. اي تبديل اللجان المحلية التي لم تحصل على تخويل وزير الداخلية بلجان معينة وطارئة كما هو الحال في سلطات محلية عربية كثيرة. ونتسائل في هذا الشأن كم سيكون الوضع التنظيمي لبلدة عربية تعيش في ظل سلطة محلية معينة ولجنة محلية معينة, مزريا وسيئا. ثالثا, اللجنة المحلية التي ستحصل على تخويل وزير الداخلية, لن تستطيع ايضا, مبدأيا, ان تصادق على مخطط هيكلي محلي الا اذا تطابق المخطط المحلي مع المخطط الهيكلي العام الذي ستصادق علية اللجنة اللوائية. والمخطط الهيكلي العام هو ابتكار جديد للتغيير المقترح يهدف الى استبدال المخططات الهيكلية اللوائية القائمة, وهو يضع سياسة التخطيط التي تراها اللجنة اللوائية في كل لواء مناسبة للبلدات التي في نطاق نفوذها. وهو ما يعني ان اللجنة المحلية المخولة لن تستطيع المصادقة على مخطط هيكلي محلي يخصص ارضا ما للبناء اذا كانت هذا الأرض مخصصة لغرض آخر في الخارطة العامة. رابعا, التغيير المقترح يوسع الشروط لإصدار اوامر الهدم الأدارية. ففي حين انه لا يمكن حسب القانون الحالي اصدار امر هدم اداري بعد 60 يوما من اتمام بناء المبنى الغير مرخص, فان التغيير المقترح يزيد هذه المدة 3 اضعاف ويعطي الحق باصدار امر هدم اداري اذا لم يمر 180 يوما من اتمام المبنى. في الوقت ذاته يخول التغيير المحكمة بان تشترط تجميد امر الهدم بكفالة وبتغريم صاحب المبنى بالنفقات المترتبة عن تجميد امر الهدم, وهي صلاحية لا تتوفر للمحكمة حسب القانون الحالي. ما من شك ان منح المحكمة صلاحية كهذه يصعّب امكانية الحصول على تجميد لأمر الهدم, وهو في اي حالة يمس حق المواطن بالتوجه الى القضاء وحقه الأنساني والدستوري في الحفاظ على ملكه وفي العيش بسلام وراحة. خامسا, في حين ان القانون الحالي يعطي الحق لكل مواطن بالمطالبة بالتعويض جراء المساس بقيمة ارضه اثر المصادقة على مخطط هيكلي يحوي الأرض او يحاذيها, فان التغيير يقلص هذا الحق بشكل الكبير, اذ انه لا يعطي حق التعويض الا عن انخفاض بقيمة الأرض نتج عن المصادقة على مخطط هيكلي تفصيلي, وهو مخطط هيكلي محلي يفصل الشروط لأصدار رخصة بناء. اي انه لا يوجد تعويض على المساس بقيمة الأرض جراء المصادقة على مخطط هيكيلي محلي, لوائي او قطري مع ان هذا الحق متوفر حسب القانون الحالي وحسب قرارات محكمة العدل العليا, وهو لا يقتصر فقط على المخطط التفصيلي. لهذا الأمر اهمية كبرى للمواطنين العرب, لأن العقد الأخير شهد مصادقة على مخططات هيكلية محلية عديدة لبلدات عربية. من هنا فان التغيير المقترح سيصد آلاف دعاوى التعويض التي باستطاعة المواطنين العرب تقديمها اليوم حسب القانون الحالي والتي قد يبلغ مجمل قيمتها اكثر من عشرات ملايين الشواقل.
خلاصة القول, التغيير المقترح لن يحل مشاكل التخطيط العسيرة ومشكلة البناء الغير مرخص في البلدات العربية, بل سيؤزمها على نحو خطير جدا. لهذا ارى ان التغيير المقترح يعد نقطة تاريخية فاصلة في نضال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لنيل حقوقهم الكاملة في الأرض والمسكن والتطور.

*يعمل الكاتب ايضا محاضرا لقانون التنظيم والبناء في الجامعة العبرية في القدس. المقال ملخص محاضرة القاها الكاتب في الجلسة التشاورية في الكنيست يوم 4.5.2010 بخصوص التغيير المقترح والتي دعى لها النائب د. حنا سويد.
 

مقالات متعلقة