الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 30 / أبريل 20:01

إنما العنف نذالة -بقلم القاضي الدكتور احمد الناطور

بقلم القاضي الدكتور
نُشر: 10/03/10 16:47,  حُتلن: 14:57

* ليس معنى قولنا هذا إن المرأة دائما على حق بالضرورة, فقد تكون على باطل

لقد استوقفتني مقالة السيدة منال شلبي في يوم المرأة حول تعدد خيوط جريمة العنف ضد النساء, حيث استعرضت بمهارة ودراية أصل الداء وضرورة إيجاد الدواء على الصعيدين : المؤسساتي- الرسمي والمجتمعي- المحلي على حد سواء. فوجدتنُي أضيف على ما قالت فأقول: صحيح أن العنف ليس ظاهرةً عربية, وهو غير مُقتصر على عرق دون عرق, إلا أن ما يلقي الرعب في أوصال كل ذي ضمير, هو أن بعض ضروب العنف- كالعنف الأسري- قد أصبحت في عرفنا – نحن العرب, كأنها سِمَةٌ من سمات "الرجولة" المزيّفة التي يمارسها الزوج إزاء زوجته, أو الأب تجاه ابنته والأخ تجاه أخته, وكأَنّ لسان حاله يقول: كلّما كنتَ عنيفا مع زوجتك زادت رجولتُك في عينيها. وكلما كنت فظاً غليظ القلب, فأنت أكثر قَبولاً في أعين اهلك وذويك- إن كانوا يَرَوْن في الزوجية حلبة صراعٍ مستديمٍ على القوة بين الزوجين.

هذا, وقد يحسُن بنا ان نُفْرد مساحةً خاصة لتناول كل نوع من أنواع ممارسات الاضطهاد والاعتداء على النساء- على حدة, إلا أننا نؤثر في هذه المقالة الاقتصار على العنف بين الزوجين, وقد يكون لنا عودُ على تفصيل! إن معنى هذا المفهوم العقيم للعلاقة بين الرجل والمرأة, إنما يتلخّص في محاولة تطويع الزوجة لنـزوات الرجل حتى لو حملت هذه ظلماً غير مبرَّر, وذلك من خلال استخدام سُبُلٍ عنيفة مُهينة, أو حتى مؤذية جسديا. خلاصة هذا المفهوم هي تبني نموذج قسري لسيطرة الرجل على المرأة اعتباطاً ليس لغرض تحقيق مصلحة في شأنٍ زوجي, وإنما إظهارا "لرجولة " الرجل مقابل أنوثة المرأة, وذلك انطلاقا من فرضية فوقيةِ الرجولة ودونيةِ الأنوثة- وهي فرضية متخلفة جائرة, لا تدل إلا على الجهل المطبق. في حال كهذا, يصبح الشأن الذي يختلفان فيه هامشيا ويصير مدار الحوار الغائب في لاوعي الزوج, انما هو أن تكون "رجولته" أو لا تكون. بمعنى أن الشأن المختلَف فيه, هو في واقع الأمر "رجولته", وليس الموضوع ذاته. لذا فإن السؤال هو ليس ما إذا كان رأيه في الموضوع المختلف فيه صوابا أم لا, بل إن السؤال يتعلق بمعركته على رجولته المطروحة في نظره على المحِكّ.

 اقطعْ رأس القط من أول يوم
لقد رسخت هذه المفاهيم في أذهان مجتمعنا العربي المنتشر على مساحة القارات الخمس, حتى تداول الناس في أقوالهم الشعبية المقولة: " اقطعْ رأس القط من أول يوم " و " خلّيها تعرف مين الزلمه في البيت, وفلانة ما بتسترجي ترفع عينها في وجه زوجها... هذا زلمه ". وفقا لهذه المفاهيم, فإن الزوج الذي يتصرف في بيته كأنه الغول أو في أحسن الأحوال كأنه عنتر هو هو الرجل الحقيقي. فهذا لا يجوز له أن يبتسم لزوجته, فأسنانه لا تظهر إلا إذا كشّر عنها غضباً, بل عليه أن يقوم بدور مربّي الصّّبية المتّشحين بعصاً طويلة- كما كانوا في عصر الجاحظ. لا يجوز أن يلاطفها بمودة وحنان, أما إذا أخطا معها فله – في أحسن الأحوال, أن يعترف بخطئه في قرارةِ نفسه فحسب, إلا انه لا يجوز أن يعتذر, لأنه إن فَعَل, فانه لا يكون إذ ذاك رجلا, بل يصير جبانا ضعيفا". هذا, ويلاحظ أن هذه المفاهيم لا تقتصر على بعض الرجال فحسب , بل تمتدُ لمزيد الأسف, إلى النساء أحيانا. فأمّ الزوجِ, وهي امرأةٌ بامتياز, حين تتطوّع لإسداء النصيحة لابنها في سياق وضع قواعد تعامله مع زوجته تقول :" لا تحطْ إلها واطي, خلّيها تفهم دايما انه اللي بدك إياه بصير, وإنُه ممنوع تردلّك كلمة ....". وحتى أمها تقول لها: "اصبري يا بنيتيّ ,الزلمه زلمه, ما في شي بعيبه."


أما هو, فهو بدوره يعمل جاهدا ليثبت لنفسه أولا ولكل من حوله ثانيا انه "مكتمل الرجولة" – ومن أجل ذلك, يجوز له أن يتبع قاعدة "خالف تُعرف" كي يرسّخ في ذهن الزوجة "وجوده النوعي".
إن المرءَ حين يسمع امرأة تشكو من عنف زوجها واضطهاده وعدوانه, يسال نفسه ماذا سيكون رد فعله لو كانت هذه ابنته التي تشكّل بشكل مطلق قصة حب حياته بأسرها. ابنته التي واكب لحظات ميلادها وطفولتها وشبابها لحظةً بلحظة, وقد كَبُرت على عينه على اكفٍّ من حرير, وصّور لها الدنيا كرحلةِ استجمامٍ جميلة. تخرج الآن من هذه الدفيئة لتدخل دورةً مكثفة لا حدّ لها من العذاب, حيث يتفنّن رجلٌ غريب ذو عاهات مَرَضية, بممارسة السيطرة الاستبدادية عليها لدرجة الاستعباد- دون أن يكون في قلبه ذرة من شهامة أو رحمة.

معنى اليوم في لغة العرب هو الواقعة- بمعنى الحرب
إنه لحالٌ يدعو إلى الإحباط في غياب العمل. وإنْ كان يوم المرأة لدى البشر جميعا, هو يوم عيدها, فانه لمن المضحك المبكي أن يكون معنى "اليوم" في لغة العرب, هو الواقعة- بمعنى الحرب, فقد قيل في اللغة " أيام العرب " بمعنى واقعاتهم- أي حروبهم. لذا فإننا نعود مع بالغ الأسف إلى قلب المفاهيم مرة أخرى.
إنني لأرجو أن نكون قادرين على نبذ هذه المفاهيم العقيمة من إدراكنا, لنبلغ حدّا تصبح معه أيام المرأة كلها أيام رغد وسعد, اقتداءً بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم, حيث قال :" خيرُكم خيرُكم لأهله, وأنا خيركم لأهلي". عندها, يسعد الرجل كأول من يسعد وتصلُح حياة الأسرة كافة.

 رجل يتشاطر على امرأة
كنت جالسا في ديوان القضاء يوم ارتفع لغطٌ وصراخ في قاعة الانتظار, تجاوز الأبواب والنوافذ, ولما استفسرتُ عمّا حدث, قيل لي :" هو زوج جاءت زوجته تطلب منه نفقة, فتهجّم عليها وشَتَمها أمام الناس, ثم حاول ضربها". لما دخل هذا إليّ سألتُه:" أأنت الذي شتمتَ زوجتكَ وعزمتَ على ضربها؟! قال: "نعم" قلت: " قل لي , هَب أن امرأةً غريبة شتمتك في الشارع , أكنت تضربها؟! قال كيف افعل ذلك ؟ أأضرب امرأة؟ ماذا سيقول عني الناس- رجل يتشاطر على امرأة ؟ قلت: " كيف إذاً تتشاطر على زوجتك من بابٍ أولى, وهي التي قَبِلت بك زوجاً, ورضيت أن تحمل في بطنها ولدك, وهو الذي يشكل نسخةً عنك, كما أنها تعيش معك بحميميّة وودّ وهي اقرب إليك من حبل الوريد؟ ألا تخجل من نفسك يوم تستعرض عضلاتك عليها؟" سَكَتَ الرجل هنيهةً ثم قال مخاطباً زوجته:
" أرجو منكِ المعذرة واطلب أن تسامحيني , وان يُحكم عليّ بالنفقة المطلوبة". يشار هنا, إلى انه ليس معنى قولنا هذا إن المرأة دائما على حق بالضرورة, فقد تكون على باطل, إلا انه مهما تعددت الأعذار, فانه ليس هناك ما يبرر استخدام العنف ايّاً كان من حيث المبدأ.
فصل المقال إذاً, انه بموازاة تفعيل أدوات العناية بظاهرة العنف الأُسري, على المستويَيْن المحلي والمركزي, ينبغي أن نعمل على تغيير المفاهيم بحيث يعي من يستخدم العنف ضد النساء, إنه يكون كمن يُعلن أمام الناس جميعا, انه ضعيفٌ من جهة وهمجي من جهة أخرى, غير قادر على نقل أفكاره بشكل حضاري. إن الذي يستخدم بذاءة لسانه أو يطلق أذى يديه نحو غيره, إنما هو جاهل مطبق- والجاهل, هو الذي يسيء السلوك مع الغير, طبقا لقوله تعالى: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما....."

هدوء الواثقين
مثل هذا لا يقوى على الدفاع عن أفكاره ومناقشتها بهدوء الواثقين. إن الزوج العنيف إنما هو جبان يخشى في قرارة- نفسه على "رجولته" , فيحتاج إلى إثباتها كل مرة من جديد. أما الذي يستفرد بزوجته في غرفةٍ مغلقة ويجعل من نفسه عليها بطلاً, ليبرهن لنفسه انه ملاكم محترف, انما هو نذل يحاول إثبات قوته على من يعتبره ضعيفا, مع أنها ليست كذلك حيث ينبغي أن يكون المجتمع كله معها. رجل كهذا لا يجوز ان يُعدّ بين الرجال رجلا, حتى لو ارتدى زيّ الرجال. الرجل الحقيقي, هو ذاك الذي يتحلى بالشهامة والكرم, بسعة الصدر والسماحة. هو القادر على احترام الآخرين والتعامل معهم برفق وروية. هو ذاك الذي يجعل من نفسه وعاءً دافئا لزوجته وأولاده, ينفعل لفرحهم, ويخفق قلبه لآلامهم وآمالهم, بل ويجعل وتيرة نبض قلبه صدىً لنبض قلوبهم.

مقالات متعلقة