قبل ستين عاما كانت فلسطين عامرة , بأهلها وبيوتها , مدنها وقراها تينها وزيتونها , صبارها وبرتقالها . وكان شعبها الذي تمتد جذوره الى الحضارة العربية الكنعانية ما زال يتوالد وينجب الأجيال تلو الأجيال ليشكل شعبا ولد على هذه الأرض التي حباها الله بنعمته عن غيرها من أراضي المعمورة . كانت الجفرا , ظريف الطول, والدلعونا الزجل المعنى والشروقي الصورة الحية الجميلة لشعب أستقى تراثه من طبيعة بلاده الخضراء . لكن , وما أن حلت النكبة به حتى تحول تراثه ألى مرثيات أشواق وحنين وألى قصائد ثورية مقاومة تحاكي ظروف المرحلة التي نعيشها. قبل ستين عاما حلت النكبة , وكانت فلسطين حينها تدفع ضريبة المؤامرات التي حيكت ضدها , على مراى ومسمع المجتمع الدولي وبتواطىء من قواه العظمى, وتخاذل أنظمة عربية ضعيفة وقيادة فلسطينية ممزقة. ولأنني لست هنا بصدد تشريح الواقع السياسي , يحضرني المثل الشعبي القائل : "الدار دار أبونا – وأجو الغرب يطحونا ". في العام الستين , مازالت الذاكرة الفلسطينية تذكروتتذكر تلك القصائد الشعبية التي قالها بعض الشعراء الشعبيين ( مثل الحطيني – من حطين , فرحان سلام – من لمجيدل , علي الأحمد – من السجرة , ابو الأمين الريناوي – من الرينة , وأبو سعود – من دير الأسد وغيرهم ) حين حلت النكبة على بلادنا حيث أنهم ومن خلال قصائدهم الشعبية,أستطاعوا أن يصوروا لنا ذلك الواقع المريرللشعب الفلسطيني المشرد والتحولات التي طرأت عليه بعد نزوحه عن أرضه ووطنه مما جعله يفقد ايمانه بكل شيء بلحظة اصبح فيها بلا حول وبلا قوة ,مما حدا به في مرحلة لاحقة أن يعتمد على ذاته لحل قضيته الفلسطينية. خلال دراستي للقصائد الشعبية وجدت أنها وصفية, يبدأ الشاعر بوصف المكان ( فلسطين محور الحدث) , , ثم يصور المأساة, حالة التهجير والنزوح عن بيته ووطنه ( حيفا, يافا, صفد ,بيسان وغيرها ) تتحول بعدها ألى رثاء, حيث يقوم الشاعر برثاء شعبه الذ ي حلت به النكبة. وفي نهايتها وفي قمة الغضب يعاتب ويلوم كل من أسهم بنكبة فلسطين.فها هو الشاعر الشعبي يوسف علي القارووط من قرية شعب – قضاء عكا ومن خلال قصيدته مرسال( هذه القصيدة تناقلها الشعراء الشعبيون في الجليل بمناسبات مختلفة مثل أبو الأمين الريناوي وأبو سعود وغيرهم حتى غفلوا أسم صاحبها الحقيقي وهو يوسف علي القارووط من قرية شعب عمل مدرسا في القرية .) التي شاعت وذاعت في أرجاء الوطن بعد النكبة , يصف لنا الواقع المرير للشعب المشرد .الصورة الأولى – المرسال – أوالرسالة الذي يريد الشاعر أن ينقلها في حالة طوارىْءلملوك العرب وذلك من خلال الخيل الأصيلة السريعة التي تسبق نسيم الشمال حيث يقول : مرسال يا ممتطي شملاي كالسرحان تسبق نسيم الشمال حين ترخيها .حث المطية وسير برفقة الرحمان في أقرب السبل يا مرسال مشيها .خذ هالرسالة وفيها من الدما عنوان ودمع الحزانى مطرز عاحواشيها .الصورة الثانية – مضمون الرسالة, المأساة والتهجير .مؤامرة مبرمجة من الحركة الصهيونية والأستعمار البريطاني .مضمونها منتهى النكبات والأحزان أسرع بها ولملوك العرب وديها .وأقصد سليل النبي الهاشمي بعمان وقولوعلى لسان قاصيهاودانيها .قولو ياصاحب التاج هيك الأمل ما كان تفنى فلسطين وعيونك تراعيها يخوي عليها الدويري وحولها عقبان وينوشها الذيب والاّساد حديها فلسطين مهد المسيح ومعرج العدنان عمال تبكي على حالة أهاليها .الجوع والبرد والتشريد والحرمان وأمراض يعجز الدكتور يشفيها .حيفا ويافا صفد والناصرة وبيسان وعكا وبلدان لانحصي أساميها .صارت أسيرة وفيها تحكم العدوان ورايات صهيون رفت في أعاليها ياحيف ياحسرة وياخسران ويا للأسف اّه وياخيبة أمانيها مرسال من بعد الهجر والأعلان عرج عا مصر أم الخير وافيها وأقصد لفاروق حامي النيل والسودان وأنعي فلسطين للفاروق وأبكيها وقولو يا من بذكرك سارت الركبان وأزهر بلادك علوم الدين حا ويها أيا صاحب التاج عنا ما السبب غفلان معهود منك مواعيدك توفيها جدك محمد علي يصيح بالأكفان فلسطين حدك وكيف الخصم يئذيها الصورة الثالثة - عتاب تقريع ولوم.يستمر شاعرنا بذكر الملوك والزعماء العرب في مرساله وهم بالترتيب الملك عبدالله الأول – الأردن ,الملك فاروق- مصر , الملك غازي الأول– العراق, عبد العزيز اّل سعود - ملك الحجاز , الأمام يحيى حميد الدين – ملك اليمن , شكري القوتلي – سوريا الذين أظهروا أهتماما بالخلاف الدائر في فلسطين , حيث كان الشعب الفلسطيني مدركا أن قضيتة ليست فلسطينية محض, بل قضية عربية أسلامية . وبناء عليه نراه يوجه مرساله لملوك العرب وقيادتهم التي ارسلت الجيوش العربية بقيادة فوزي القوقجي لصد العدوان الصهيوني فكانت النتيجة نكبة فلسطين وأزالتها عن الخريطة العربية . يحضرني الاّن ماقالته جدتي لأمي عن أمرأة كانت تحمل أطفالها متجهة الى لبنان عن جيش القاوقجي والذي فر هاربا أمام قوات "الهجناة" " ,الأتسل" " والليحي" ...وهي طلعة من الدلعونا , حيث قالت : فوزي القوقجي بالجبل رابط --- ليرة ومجيدي برطيل الظابط . وفي لحظة غضب يقول اّخر : فليحيا موشي شرتوك - هللي ركع سبع ملوك . وين فوزي هالمهتوك - وين جيشوا هالركيض. أما شاعرنا فيستمرفي مرساله بمعاتبةالزعماء و الملوك وتقريعهم على خنوعهم فيقول:مرسال عود للشمال وأدخل الديوان نادي الزعامة وشكري كان واليها وقلو ياذا الفخامة الفعل ما بان وين شكري وخطابات كان يلقيها بالجو طارت مالها أي حسبان ريتك يا شكري ما كنت تحكيها وياما نحنا صرخنا بذات لسان راحت بلادي بكل سلاح قويها قلتوا أطمئنوا أيها السكان نحنا فلسطين عنا جيوش تكفيها من يومها ناطرين كفة الميزان بلكي الكرامة ترجحت فيها بعدين طل النشيط وبين العجزان وعرفت بلادي مين هاويها وفي نهاية القصيدة يعاتب سماسرة البلاد والخونة الذين باعوا الأراضي للحركة الصهيونية أمثال سرسق وزمرته من اقطاعيين متاّمرين على فلسطين , فيقول: فلسطين يا أمة العربان ذاقت أهانات ما حد بخفيها ما بسمعوا الا هيه يا أخوان يا بايعين الأرض للي يشتريها يا قوم مين باع البلاد وخان لا توخذوا المطيع بذنب عاصيها سرسك يبيع ويقبض الأثمان كثار مثلو ونحن نتهم فيها واللي بيوكل ضرب قضبان ما في شبه مع من كان يحصيهاوأللي فاز شرتوك ووايزمان وملوك سبعة بكف يرديهااللوم كلو عا ذوي التيجان هذا أعتقادي ونفسي لا أداريها وضغط السياسة حجة التعبان وأغلى دموع يافلسطين صبيها هذا هو حالنا , بعد ستين عاما على النكبة ما زلنا ندور في دوامة الصراعات والخلافات السياسية , والشعب الفلسطيني في الشتات ينتظر حق العودة لأرضه ودياره منطلقا من أيمانه بأن العودة حق, ولا يضيع حق وراءه مطالب .
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio