اخبار محلية

الانتصار على عين كحيلة

15:45 13/03 |
حمَل تطبيق كل العرب

لم أجد سوى أبيات محمود درويش، متنفساً للحالة التي نعيشها في هذه الأيام العصيبة حيث تقوم قوات الاحتلال، خلال 5 أيام، بقتل 120 فلسطينييناً غالبيتهم من المدنيين، ومن بينهم عشرات الأطفال والرضع. قبل 45 عاماً قال محمود درويش:"أهنئ الجلاد منتصراً على عين كحيلهمرحى لفاتح قرية.. مرحى لسفاح الطفوله" لا يوجد أبلغ من هذا الأبيات من أجل وضع الأمور في نصابها. غزة، بشبابها وأطفالها ونسائها وبأهلها العزل هي العين الكحيلة، وأصحاب الدبابات والصواريخ والأباتشي، هم الجلادون والسفاحون، وانتصارهم هو انتصار السفاح على العين الكحيلة.. هذه هي المعادلة، ومن يحاول تغييرها فهو يزيف التاريخ، بقصد أو بدون قصد. نعم.. هذه هي فلسطين الجميلة، فلسطين العين الكحيلة، التي لم تعتد على أحد ولم تغادر وطنها وأهلها لتحتل أراض الغير وتستبيح بلادهم وتقتل أبناءهم.كفانا هذا التزييف للتاريخ، الذي يساهم فيه البعض من لدننا بكل الحميّة. فعندما يقول، من يقول، أنه تم تحقيق انتصار في غزة تضيع "الطاسة"، وكأن هنالك جيشين متكافئين بالعدة والعتاد والجنود، وهنالك الخاسر وهنالك المنتصر. وإذا كنا منتصرين فلماذا يجب التضامن معنا؟لا أحد يريد أن يكون ضحية، ولكن الشعب الفلسطيني في الحقيقة هو كذلك. ماذا نفعل؟ على الأقل لنقل للعالم ذلك. إسرائيل تقتل المئات وتشرد الآلاف، وتبكي أمام العالم أنها الضحية، بينما بيوت الغزيين تدمر ويقتل أطفالهم وشبابهم ونساؤهم وشيوخهم، وتجد هنالك من يتحدث عن انتصار.في غزة يوجد قاموس واحد، هو قاموس المجرم والضحية، قاموس الانتصار والهزيمة يأتي في سياق آخر، إنه يأتي في سياق الحرب المتكافئة.. في غزة، حسب توازن القوى، حسب النتائج المرعبة للاجتياح الإسرائيلي، لم يكن الأمر كذلك.. فكفى لهذا التزييف الطوعي للتاريخ. مقبولة ومردودةاليوم لا توجد وسيلة إعلام إسرائيلية، "تحترم نفسها"، إلا وهي تتحدث عن "الانتفاضة القادمة" لـ "عرب إسرائيل".من فرط حماسهم وشوقهم لهذه "الانتفاضة" أخالهم في ذهني "يدفشون" العرب "دفشاً" للقيام بانتفاضة، حسب مقاساتهم. وقبل "عرب إسرائيل"، هم "يدفشون" عرب "يهودا والسامرة"، إلى انتفاضة من نوع آخر، وها هم يعيدون عشرات، بل مئات المرات، بث منظر الاعتداء على سيارة مفتشي البلدية في القدس الشرقية، ليؤكدوا ماذا ستؤول إليه الأحداث عندما ستبدأ الانتفاضة. بالطبع نحن ندين هذا الاعتداء لأنه غير إنساني ولا يخدم قضية شعبنا ولكن هذا البث له مآربه الخبيثة.بالإنجليزية يقولون "كنا في هذا المشهد"، فقبيل أكتوبر 2000، أطلقوا كل إشارات التحذير الممكنة عن الانفجار الفلسطيني القادم، كأنهم يتحدثون عن كارثة طبيعية محتمة. ماذا لم يفعلوا من أجل "تشجيعنا" على تحقيق نبوءتهم. وفي الانجليزية، أيضاً، هنالك مقولة بليغة تتحدث عن "النبوءة التي تحقق نفسها"، فمن نحن حتى لا نمشي حسب "ترحيشهم"؟ (و"الترحيش" وهو اصطلاح عبري، ومعناه بالتقريب هو سيناريو متوقع للأحداث). من نحن حتى لا نرقص على إيقاع طبولهم الهادرة؟! ووجدنا من لدننا من يردد تهويشهم ويتوعد وكأنه على رأس قوة عظمى.ولكن عندما لم نقم بالسير حسب "ترحيشهم" (أي السيناريو المعد لنا)، كانوا يقومون بدور "المعجل" والمشجع، من خلال الرصاص المطاطي القاتل. هم يقتلون ووسائل إعلامهم، تغلف البضاعة، أي قتل وإصابة العرب، بأغلفة بديعة يسيل لها اللعاب، مثل "ارتفاع درجة التحريض بين العرب"، مثل "الناصرة مثل غزة" ، و"انتفاضة في الجليل"، والعرب يشترون بكل إباء وشمم هذه الأغلفة.. هم يغلّفون وهنالك من يشتري.وفي حينه قلنا لهم، أن هذا الجمهور مثل كل جمهور حي يتظاهر ضد قتل أبناء شعبه، ولا شأن لذلك بارتفاعه درجة أو  نزوله عشرة في سلم القومية. وقلنا،  في حينه، لو لم يتطاير رصاصكم تجاه الصدور، لما كان هنالك قتلى وجرحى، وقلنا اثبتوا لنا حادثة واحدة كان فيها أي شرطي في موقع الخطر، وقلنا لهم هذا التهويش كأن هنالك حرب في الجليل هي "الأليبي" لأعمال القتل بدم بارد التي نفذتموها بالعرب.. فيما بعد، جاء تقرير لجنة أور، التي نحيي لجنة المتابعة التي أصرت على إقامتها، لتثبت بشكل قاطع صدق ما ذهبنا إليه.اليوم يريدون العودة على نفس "الترحيش"، فأولاد "التراحيش" هؤلاء، لا يملون ولا يكلون في سعيهم  للإيقاع بهذا الشعب في مطبّات شرسة تأتي على خيرة أبنائه، وفيما بعد لا ينسون أن يذرفوا دموع التماسيح، دموع ضحايا العنف العربي.في بعض الأحيان عندما تعقد راية الصلح، يتم رفع قيمة الدية إلى مبالغ كبيرة، ولكن حينما يقدم المبلغ إلى صاحب الحق، يقوم هذا الأخير بكل إباء وشمم فيرد المبلغ، قائلا: "مقبولة ومردودة".. وفيما بعد يكون دور مناسف اللحم والرز. ولذلك بكل إباء وشمم نقول لإخوتنا في وسائل الإعلام العبرية: شكراً على هذه النصائح، شكراً عل هذه التراحيش.. ولكنها لا تلزمنا. "مقبولة ومردودة". رجاءً "تكبوش" شركم علينا. الرقص مع الذئابعندما عقد مؤتمر القمة بين نيكسون وبريجنيف في بداية السبعينات من القرن الماضي، وكانت قاذفات القنابل العملاقة "بي 52"، تزرع الموت والدمار في صفوف الشعب الفيتنامي، كان هنالك من انتقد هذا "التفريط السوفييتي" بحقوق الشعوب، وكان هؤلاء الذين يكنون العداء للاتحاد السوفييتي، ولا يتركون فرصة لمهاجمته، يطالبون الاتحاد السوفييتي، عدوهم، بمزيد من الحزم ضد أمريكا، أكثر مما نطالبه نحن، الذين اعتبرناه صديقنا وصديق الشعوب المستضعفة. كنا نقول لهم، أولا ما لكم ومال الاتحاد السوفييتي؟ فأنتم لا تطيقون حتى سماع اسمه، فبأي حق أخلاقي تريدون منه أن يفعل أكثر، والأنكى  من ذلك أنكم تتجاهلون دور المجرم الأساسي، الإمبريالية الأمريكية، وتوجهون سهامكم إلى حليف الشعوب، الذي حتى لو "قصّر" في هذا الموقف أو ذك، ولكنه يبقى سندنا وسند كل محبي الحرية في العالم.. على كل حال، ليس هذا هو موضوع مقالي، ولكن لا أعرف لماذا تناول بعض المواضيع يجر لدينا، نحن معاصري عالم التوازن، تلك النرفزة على من يبكي اليوم على الاتحاد السوفييتي بينما كان هو في ذلك الوقت عدو الإتحاد السوفييتي اللدود.. اليوم نقول جميعاً يا ريت في عنا اتحاد سوفييتي، حتى لو "مقصر"، ولكن أفضل من هذا العالم الذي يجول ويصول فيه بوش، دون رادع. الحقيقة أنني أردت بهذه "النوستالجيا" أن أتطرق إلى أمر آخر، وهو أنه في ظل هذه الألغام العملاقة التي ألقيت في موانئ فيتنام الشمالية في تلك الفترة، كان الوفد الفيتنامي يفاوض في باريس. لم يقل له أحد :"لا تفاوض". لم يزاودوا عليه بلهجة نعرفها جميعاً: "أنتم تفاوضون في فنادق باريس الفخمة بينما شعبنا الفيتنامي يحترق بلهيب القاذفات الأمريكية".. لم يقولوا ذلك، لأن هنالك منطق للمفاوضات، فلو كانت الأمور "عال العال"، لما كانت هنالك حاجة لمفاوضات بين الشعوب المقهورة ومستعبديها. ولذلك الدعوة التي يوجهها البعض لوقف المحادثات مع إسرائيل لأن هنالك انتهاكات إسرائيلية فظة، ومع التفهم للغضب الذي يعتمر في الصدور، لا يمكن أن تكون نهجًا لقيادة سياسية تنشد خير شعبها وإيقاف الانتهاكات ضده. هذا الأمر ليس حكراً على الشعب الفلسطيني أو الفيتنامي، هكذا الأمر كان في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي وهكذا الأمر في أماكن عديدة من العالم.في نهاية الأمر فإن هدف المفاوضات، بالنسبة للفلسطينيين، هو وقف العدوان، ولكن هنالك من يقول أنه بالضبط في هذه النقطة تشكل المفاوضات غطاءً لإسرائيل لمواصلة عدوانها. أولاً نقول أن إسرائيل بحاجة إلى غطاء من نوع آخر لمواصلة عدوانها، والتجربة تشير أن إسرائيل بحاجة إلى بضع قذائف صاروخية، لا إلى مفاوضات، من أجل أن تفتح أبواب جهنم ضد الشعب الفلسطيني. هل بوقف المفاوضات ستتوقف الانتهاكات؟! هل وقف المفاوضات سيلجم حكومة إسرائيل أم سيطلق يدها، دون رقيب ضد الشعب الفلسطيني. وها نحن نشهد بشاعة الدعاية الإسرائيلية، في التاسعة صباحاً يغتالون سبعة فلسطينيين، الرد الفلسطيني الذي يأتي بعد ست ساعات من العدوان الإسرائيلي، يصبح في موجة الدعاية الإسرائيلية كأنه هو نقطة البداية، وكأن الفلسطينيين هم من بدءوا بالتصعيد. هنالك أسئلة صعبة يجب أن نطرحها على أنفسنا حتى في ظل السياسة الدموية الإسرائيلية: لصالح من استمرار مسار المفاوضات؟ هل المفاوضات هي لصالح الذي يملك كل شيء من الرصاصة حتى حاملات الطائرات، من مفاتيح المعابر حتى الكهرباء والماء والوقود. مصلحة إسرائيل هي وقف المفاوضات، لأن المفاوضات ستفضي إلى نتيجة واحدة لا غير، وهي إقامة الدولة الفلسطينية وحل القضايا الجوهرية بموجب الشرعية الدولية، فهل إسرائيل مستعدة لذلك؟ هم لا يريدون مفاوضات، من أيام براك السوداء حيث "لا يوجد شريك" إلى عهد شارون حيث كان الانسحاب من غزة حتى بدون التنسيق مع صاحب البيت. إنهم لا يريدون مفاوضات لأنهم غير مستعدين لدفع ثمن السلام، والثمن واضح تماماً. مسار المفاوضات هو مصلحة وطنية فلسطينية عليا. كل مؤامراتهم ضد الشعب الفلسطيني وضد الشعوب العربية، مرت في فترة حلة الحكم ومن خلال سياسة "ضربني وبكى".. هم قادرون بشكل مرعب على تزييف الوقائع والتاريخ.. حتى كتابة هذه السطور، وصرنا نستصعب الإحصاء، فقد قُتل أكثر من 120 فلسطينياً منذ عملية اغتيال سبعة الفلسطينيين، مقابل مقتل جنديين ومدني واحد، والشعور في إسرائيل أن الفلسطينيين "ثخنوها".يقولون إن المفاوضات لم تجلب شيئاً. أولاً المفاوضات لم تنته، ومن الممكن، باحتمال كبير جداً، أن تصل الباب الموصد. من المهم أن نظهر للعالم من هو المسؤول عن فشل المفاوضات. ولكن مقابل ذلك، يجب أن نسأل أهلنا في نابلس وجنين وطولكرم... هل الحياة اليومية في ظل المفاوضات أفضل من الحياة في ظل التوتر وحالة العدوان؟ يعني هذا الانفراج الذي يجعل حياة الناس أفضل وميسّرة أكثر أليس أمراً هامًا؟ هنالك شيء اسمه "أسباب الصمود"، أليس دور القيادة، بل واجبها، أن تنتبه إلى أسباب صمود شعبها؟! هل هذا الشعب بخير، أم أنه قاب قوس وأدنى من الكارثة، وحتى من المجاعة؟ لا يمكن الاستخفاف بالأمر أنه في ظل هذه المفاوضات جرى مؤتمر للدول المانحة وتم من خلاله تخصيص أكثر من 7 مليار دولار للشعب الفلسطيني. لا شك أن هنالك من يقول، وبحق، أن هناك بون ما بين التصريح وما بين التنفيذ على أرض الواقع، ولكن مع ذلك فإن قسمًا لا بأس به سيصل، وهو مطلوب لشعب رجع اقتصاديًا سنوات طويلة بسبب التدمير المنهجي الذي قامت به إسرائيل لبنيته التحتية خلال سنوات الانتفاضة. ومن جهة أخرى من قال أنه "أو مفاوضات.. أو مقاومة". بالإمكان، بل يجب أن تكون المفاوضات مقرونة بالمقاومة، وهنا أوافق الشيخ هاشم عبد الرحمن، رئيس بلدية أم الفحم في مظاهرة الألوف، الذي قال بما معناه، أن المفاوضات وحدها تبقى ناقصة وأن المقاومة وحدها تبقى ناقصة، هما واحد يكمل الآخر.  والمقاومة التي نريدها هي مقاومة جماهيرية واسعة، تجلب تأييد العالم وتعاطفه معنا.التفاوض مع أعداء الشعوب هو مثل الرقص مع الذئاب، لا أحد يرغب بذلك ولكنه مضطر لذلك. وهذا الرقص متعب ومضني ومحبط، وأفضل بكثير لهذا الراقص أن يجلس في البيت، مع زوجته وأولاده. المفاوضات هي نضال وهي لا تقل صعوبة وأهمية عن أشكال النضال الأخرى. في الرقص مع الذئاب، يجب أن تكون يقظاً، عينك على أبنائك وعينك على مراوغات عدوك ومؤامراته.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة المستخدم. هل تسمح؟

عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا

الخامس +1 234 56 78

فاكس: +1 876 54 32

البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio