خاطرة

حين يكونُ الموتُ حضورًا!/ بقلم: حنان جواد إغبارية

كل العرب 08:30 26/09 |
حمَل تطبيق كل العرب

أُخفِيَ عليكِ أنّني حينَ حدّثتكِ عن أبي شعرتُ بنشوةٍ تفوقُ اللامحدود، بفرحةٍ ممزوجةٍ بأنانيّة مقزّزةٍ. كنتُ أعلمُ أنّك ما زلتِ تنعينَ أباكِ لكنّي أكملتُ محدّثةً إيّاك عن أجمل خِصالِهِ، عَنْ ملامحه، صوتِه، ابتسامته، حبّه لي وحتّى غضبه الجميل أحيانًا !

كنتِ تتأمّلينني بحزنٍ بحجمِ جمالِ الصّورةِ الّتي أظهرتُها لكِ عن أبي وتتذكّرينَ أباكِ في ترابه، رأيتُكِ تنظرينَ إليه وتلوّحينَ له بكلتا يديكِ ومع هذا لم أتوقّفْ. كنتُ فرحةً أنّي لأوّلِ مرّةٍ أتكلّمُ عن أبي بهذا الشّكل. تُرى هو فقدانكِ لأبيكِ يجعلُني أكثرَ فخرًا بأبي أم أنّها لذّة تعذيب مَن حولنا مِنَ المجروحين وكأنّنا على قبورِ موتاهُمْ نبني قصورَنا، يا لأنانيّتنا !

مذهلةٌ أنتِ، كما الشّمس جميلةٌ مشرقةٌ مِنْ بعيد، مخيفةٌ حارقةٌ مِنَ الّداخلِ. أعترفُ لكِ أنّ صمتَكِ فاقَ توقّعي، أنتِ الّتي لا تصمتين في حضرتي أبدًا، هل كنتِ حقًّا تنصتين إليَّ أم أنّكِ كنتِ تقفين على الأطلال؟!. حاولتُ أن أعبثَ بصمتِكِ فقلتُ:" تسريحة شعرك الجديدة كثير عجبتني". لم تبدي أيّ تجاوبٍ ولم تبتسمي حتّى، تلك الابتسامة الّتي أعلمتِني مرّة أنّها مجرّدُ تمرينٍ رياضيٍّ لا يدلُّ على شيءٍ.

أذكرُ مرّة أنّكِ قلتِ لي : " إذا حدا سألني مبسوطة أو لا بجاوبه إنّي مش مبسوطة، عندي كُلّ إشي وبقدر أعمل كُلّ إشي بدّي إيّاه وأطلع وين بدّي وأفكّر شو بدّي بس مع هيك مش مبسوطة، فش إشي بيخلّيني أنبسط" أسميتُه تشاؤمًا وأسميتِه واقعيّةً!. حاولتُ أن أجعلكِ سعيدةً لكنّي لم أجدِ الشيءَ الّذي يجعلُكِ كذلك. وجّهتُ نظري نحوكِ، كانتْ عيناكِ تلمعان بشدّة، كثيرًا ما أحاول قراءتهما وأفشل، أكتشفُ أنّ الحروفَ تغيّرتْ وتبدّلتْ بعد أن كانت عيناكِ لغةً أتقنُها تحوّلتْ فجأةً إلى رموزٍ غير مفهومةٍ. فجأةً قلتِ بصوتٍ لا يكادُ يُسمعُ وكأنّك ما زلتِ في مرحلة التّفكير: "أمان"، لم أنتبه في البداية أنّك ناديتني باسمي، اعتدتُ أن تناديني "أماني" فقد قلتِ لي ذاتَ يومٍ " أنتِ أماني أنا، لا أحدَ غيركِ يشعرُني بالأمان" ثمّ كرّرتِها "أنتِ أماني أنا، مع ياء الملكيّة" لم أفهم بالضبط كلامكِ ولكنّي فرحتُ لاسمي الّذي اخترتِه لي وأحببتُ فرحَكِ، كنتُ أعلمُ أنّي بمثابةِ أختكِ الّتي لم تأتِ.

document.BridIframeBurst=true;

var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });

أبديتُ لكِ انتباهي وقلتِ :" ليش لازم نموت؟!"

لم أتوقّع سؤالًا كهذا ولم أفكّر يومًا أن أسأل نفسي هذا السّؤال، شعرتُ أنّني أمام طفلةٍ تسألُ عن شيءٍ لا يدركه عقلٌها الصّغير وعليّ أن أبسّطَه لها، حاولتُ أن أفعلَ ذلك لكنّي لم أنجح فصمتُّ.

لكنّك بفضولِ طفلةٍ مشاكسة كرّرتِ السّؤالَ مرّة أخرى وحينها أدركتُ أنّك حقًّا تبحثين عن إجابة. حاولتُ أن أخفّفَ عنكِ وأواسيكِ لكن رغم هذا لم تتخلي عن سؤالِكِ وقلتِ :"ليش الموت؟؟؟" هذه الأسئلة الّتي تبدأ بـ "لماذا"ذكّرتني بنفسي أيّام الابتدائيّة، كنتُ كثيرًا ما أسألُ المعلّمة أسئلة تبدأ بذات أداة الاستفهام هذه حتّى قالت لمربّي الصّفّ أنّي لا أركّزُ وأسألُ أسئلةً كثيرةً ليس لها حاجة. في الواقعِ كانت أسئلةً محيّرةً ولم أجدْ إلى الآن جوابًا لها وربما هي كذلك أيضًا ولهذا السبب اشتكت لمربّي الصّفّ عنّي كي لا يعلمَ أنّها لا تعرفُ.

نظرتُ إليكِ ووجدتكِ ما زلتِ تنتظرين قلتُ لكِ : " الموتُ ليس النّهاية، سيأتي اليوم الّذي نلتقي به بمن نحبُّ، هو فراقٌ مؤقّتٌ يقيسُ مدى اشتياقنا وعلى قدرِ اشتياقنا يأتي فرحُنا، وبالمقابل فكثيرٌ من حياةِ البعض هي عبارة عن موت، هذا هو الموت الحقيقيّ" لم أشعرْ أنّي أقنعتكِ ولكنّي ارتحتُ لهذه الإجابة.صمتنا قليلًا ثُمّ قلتُ:" السّماءُ سوداءُ، دعينا نخرجُ قبل أن تُمطرَ" فقلتِ:" كم أتمنّى أن أمشيَ تحت المطر، كنتُ دائمًا أمشي تحتَ زخّات المطّر مع أبي ويحدّثني عن كُلّ شيء، كانَ يحبُّ المطرَ كثيرًا".

"لم أمشِ مع أبي تحت المطر يومًا أو حتّى تحت الشّمس، فهو إلى الآن لا يسمحُ لي بالخروج مِنَ البيت ولا أدري ما السّبب، أنا هنا معكِ دون علمه." كنتُ سأقولُ لكِ هذه الكلمات لكنّي تراجعتُ، أحببتُ فرحي الّذي لمستِه حتّى لو لم أكن أشعرُ به، المهم أنّك تشعرين أنّي سعيدة، لا يهمّ إن حسدتني فهل أُحسَد على الحلم ؟!

وأمطرتِ السّماءُ، مشتْ هي مع طيفٍ تحبُّه وتركتني وحيدة حتّى عدتُ إلى البيتِ فرحةً بالحلم الّذي رسمتُه لنفسي لكنّه سرعان ما انمحى حينَ استُقلبتُ بالصُّراخِ والضّربِ ..

ملاحظات على الهامش: كون النّصّ بصيغة المتكلّم لا يعني أنّه يعبّر عن الكاتبة.هذا النصّ هو إهداء إلى صديقة عزيزة (م) هي من ألهمتني إيّاه.

 

 

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net  

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة المستخدم. هل تسمح؟

عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا

الخامس +1 234 56 78

فاكس: +1 876 54 32

البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio