(عندما صرخ صلاح عبد الصبور.. خلصوني من صفة الشاعر الشاب.. لقد جاوز عمري نصف القرن)
نستمع في هذا المحفل الادبي، او نقرأ في تلك الوسيلة الاعلامية، اسم كاتب معين مقرونا بصفة شاب، ومع ان هذه الصفة تعتبر شرفا لمن يتصف بها، الا انها عادة ما تخفي في ثناياها نوعا من الاشارة الى محدودية عطاء صاحبها، كونه ما زال شابا يرتاد مطالع الشباب الاولى باتجاه المرتفعات العالية في العمر، فهل من الحق ان نطلق هذه الصفة على الشاب المبدع عامة؟ والى اي عمر مثلا يمكننا ان نطلقها عليه. اكثر من هذا، هل من الحق ان نقسم الكتاب الى شباب وشيوخ؟ وهل يفترق هؤلاء عن اولئك؟ وبماذا يفترقون.. اذا كانوا يفترقون حقا؟
يشهد التاريخ الابداعي والادبي خاصة، ان اعمار اهله لا تقاس بالأعمار الزمنية، السنوات، وانما هي تقاس بما اذخره اصحابها من تجارب ومعارف، وعليه بإمكاننا القول، ان الانسان عامة والمبدع خاصة، انما يقاس عمره بالعمق، وليس بالطول، فكم من مبدع عاش مائة عام ولم يقدم شيئا يذكر وكم من مبدع اخر، في المقابل، لم يعش سوى ربع قرن من الزمان وقدم الكثير الكثير، فالشاعر الجاهلي العظيم طرفة ابن العبد وابو القاسم الشابي وغيرهما كثيرون من المبدعين الاجانب في شتى اصقاع الارض، لم تتجاوز اعمارهم عندما غادروا عالمنا الخامسة والعشرين عاما!! ومع هذا تركوا بصمات لا يمكن محوها من سجل التاريخ الادبي للشعوب الذين انتموا اليها.. وللإبداع الادبي في العالم اجمع.
اعتدنا في حياتنا الادبية العربية خاصة، ان نطلق على المبدع في بداياته صفة الشاب، وذلك ضمن طلب مضمر منا، مفاده انه علينا ان نتساهل في التعامل معه(!!)، وان تكون ايدينا مباركة في تقييمه فلا تقسو وانما تميل الى الحنية المطلوبة منا في الواقع خلال تعاملنا مع اي عمل ابداعي وادبي. ومما يذكر في هذا السياق، ان مجلة "الهلال"، العربية المصرية العريقة، حاولت قبل سنوات بعيدة، في واحدة من حماقاتها النادرة، ان تحل اشكال الاجيال هذا بتكريسها ملحقا خاصا للشباب، اطلقت عليه اسما لامعا في الظاهر هو " الزهور"، وقاسيا في الباطن.. كونه يقسم الادباء كما هو واضح الى زهور واشجار باسقة!!.. هذا الملحق لم يعش طويلا وتم توقيفه بعد صدور عدد محدود منه.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });تعقيبا وردا على هذا كله، من صفات تشبه الاتهامات، بإمكاننا القول ان المبدع الحقيقي لا يخرج الى الحياة الابداعية من فراغ، وانما هو يستعد للدخول الى ملكوتها كل الاستعداد، ويهيئ نفسه كل التهيؤ، يقرأ الكثير ويعي الاكثر، ليضيف الى ما سبق وقيل في الماضي.. بصمته الخاصة، تلك البصمة التي تميزه عن سواه مهما صغرت وتضاءل شأنها.
هنا يطرح السؤال هل يمكن اعتبار كل شاب شابا؟ وهل تكفي صفة الشاب لإعطاء صفة المبدع الحقيقي هكذا تعسفا ودون روية واناة؟ هل يمكن لكل من امتشق القلم وصفّ عددا من الكلمات الى جانب بعضها بعضًا، ان يحظى بصفة مبدع؟ كما يحصل في عصر الميديا الراهن؟.. اجيبوا انتم، اما انا فليس بيدي سوى ان اكرر ليس كل شاب شابا، وانما يطلب منك كي تحظى بهكذا صفة ان تجتهد، ان تطلع وان تنمى قدراتك الادراكية لتتخذ مكانك المضيء في القاعة المكتظة.
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio