خاطرة

حين تصطدم رسالة السلام بواقع العالم

جميلة شحادة 09:41 25/12 |
حمَل تطبيق كل العرب

يحلّ علينا الليلة، ميلاد السيّد المسيح، عليه السّلام، ونحن نعيش في زمنٍ يبدو فيه السلام بعيداً، والإنسانية التي دعا إليها قد تراجعت، بل غابت أمام ضجيج السلاح، ومشاهد الحروب والدمار. منذ سنوات، وذكرى ميلاد السيّد المسيح تحلّ علينا محمّلة بالحزن والأسى، لا لأن المناسبة فقدت معناها، بل لأن الحروب المجنونة، وسفك الدماء والعنف المستشري في المجتمعات قد كشفت عن أن العالم ابتعد كثيرًا عن جوهرها.

لقد وُلد المسيح رسولًا للمحبة والرحمة، وداعيًا إلى نبذ العنف. لقد كانت تعاليم السّيد الفادي نداءً صريحًا لاحترام الإنسان وكرامته، أيًّا كان دينه أو موطنه، غير أن ما نشهده اليوم من حروبٍ ودمار، وظلم وقهر وعنصرية، وبُعد عن الإنسانية، يكشف عن فجوة واسعة ما بين القيَم التي بشَّر بها، والواقع الذي نعيشه ونحياه. فالحروب تتّسع، والضحايا يتزايدون، وحتى الإخوة يتقاتلون ويتخاصمون، فتمرّ الأعياد عليهم والبغض يملأ قلوبهم، والمسافة تزداد بينهم، الى أن تصل حدّ القطيعة، وكأن ليلة الميلاد التي يُفترض فيها أن يمّحى البغض، لم تعد إلا جملة من ضمن ترتيلة جميلة، نسمعها ولا نصغي لها. فكيف إذن بالدول والشعوب التي تتناحر على الأرض، والموْرد، والهيمنة؟! وتسفك الدم وتظلم، وتحتّل، وتستبيح حقوق شعوبٍ في سبيل مصالحها، وتحقيق أهدافها ومخطّطاتها ومطامعها؟ لقد خفَت صوت السّلام حتى غدا غير مسموعٍ في عالمنا، وعلا صوت النزاع والقوّة والهيمنة.

معظمنا يعلم، أن المشكلة ليست في تعاليم السّيد المسيح وغيره من الأنبياء الصالحين، بل في تجاهلها؛ فالعالم ما زال يذكر المسيح وميلاده ويحتفل بميلاده، لكنّه نسَي رسالة المسيح، ونسيَ رسالة الميلاد. والناس يرفعون شعارات السلام، لكنْ بأيديهم يصنعون أدوات الحرب. كما أنهم يتغنّون بالمحبة، لكنّهم يغيّبونها عن سلوكهم. وهنا؛ يبرز السؤال المؤلم: لماذا حدث هذا؟ وكيف تحوّلت الإنسانية إلى فكرة مثالية بدل أن تكون سلوكًا؟ إن الإجابة عن هذا السؤال المركّب، تحتاج الى شرح معمّق، وخوْضٍ في التفاصيل، وهنا لا مجال لفِعل ذلك تفادياً الإطالة.

في ذكرى ميلاد السّيد المسيح عليه السلام، لا نحتاج إلى احتفالٍ شكليّ، بقدر حاجتنا إلى وقفة صادقة مع ذواتنا؛ وقفة تُعيد الاعتبار للقيَم والمبادئ التي يمكنها هي وحدها أن تنقذ هذا العالم مِنْ مزيد منَ الخراب. ولعلّ ذكرى الميلاد أيضاً، مناسبة ليتذكّر فيها الإنسان، التسامح، والسّلام، والمحبّة، والرأفة بالإنسان؛ وأنْ يذوّت بأنّ الإنسانية لا تتجزأ، وأن الإنسانية لا تموت وإنما غابت بغياب الضمائر، وتنتظر مَن يعيدها ويحييها بالفِعل، لا بالكلام والخطابات. فميلاد السيّد المسيح ليس مناسبة للاحتفال والفرح فقط، وإنما هي نداءٌ أخير لإيقاظ ما تبقّى من ضميرٍ إنسانيّ، قبل أن يبتلع الظّلام كلّ نور.

document.BridIframeBurst=true;

var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة المستخدم. هل تسمح؟

عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا

الخامس +1 234 56 78

فاكس: +1 876 54 32

البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio