ثمّة كتب لا تُقرأ لمعرفة ما تقول، بل لمعرفة ما تفعله بنا ونحن نقرأها.
وديوان "ومضات الروح" للشاعرة إيناس رشرش ينتمي إلى هذا النوع من الكتابة؛ كتابة لا ترفع صوتها، لكنها تترك أثرًا عميقًا، لأنها تمسّ الإنسان في أكثر مناطقه هشاشة وصدقًا.
لا يقدّم هذا الديوان نفسه بوصفه استعراضًا لغويًا أو مشروعًا حداثيًا معلنًا، بل يختار طريقًا أكثر صعوبة: أن يكون قريبًا من الناس دون أن يفقد كرامة الشعر، وأن يكتب بالمحكية دون أن يسقط في المباشرة أو التقريرية. هنا، المحكية ليست لهجة، بل موقف جمالي وأخلاقي، ووسيلة للاقتراب من التجربة الإنسانية دون وسائط.
عتبة الدخول: المقدّمة
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });في مقدّمة الديوان، لا تنظّر الشاعرة لفعل الكتابة، ولا تدافع عن خياراتها، بل تضع القارئ أمام حقيقة بسيطة: هذه نصوص كُتبت لأن الصمت لم يعد ممكنًا. المقدّمة تؤدي وظيفة العتبة الصادقة، وتؤسس لعلاقة قائمة على الثقة، حيث لا وعود بالإبهار، بل التزام بالصدق.
قراءة مرافقة: كلمة نايف خوري
تأتي كلمة الإعلامي نايف خوري لتثبّت موقع الديوان قرائيًا وثقافيًا. فهي لا تتعامل مع النص من باب الاحتفاء، بل من زاوية الوعي بالتجربة، وبخيار اللغة تحديدًا. يشير خوري إلى أن المحكية في «ومضات الروح» ليست بديلًا عن الفصحى، بل مساحة أقرب إلى الإنسان، وأكثر قدرة على التقاط تفاصيل الوجع اليومي وأسئلته الهادئة. وبهذا، تمنح كلمته الديوان قراءة خارجية تُضيء جوهره دون أن تفرض عليه تفسيرًا جاهزًا.
أبواب الديوان: تنوّع التجربة ووحدة الرؤية
الوجدان والبدايات
في الباب الأول، تكتب إيناس رشرش من قلب التجربة. الذات هنا ليست مركزًا نرجسيًا، بل ساحة اختبار: حب، فقد، انتظار، وخوف من الغياب. القصائد لا تدّعي الحكمة، بل تمشي نحوها بتردّد إنساني مألوف. إنها بدايات تشبه بدايات البشر جميعًا، حين يكون الشعور أصدق من القدرة على فهمه.
المكان والذاكرة
في الباب الثاني، يتحوّل المكان إلى ذاكرة حيّة. البيت، الباب، الطريق، البحر، الغربة… ليست عناصر وصفية، بل شخصيات صامتة تشارك في تشكيل المعنى. المكان هنا ليس جغرافيا، بل حالة شعورية، وامتداد للذات. الغربة لا تُكتب كرحيل، بل كإقامة طويلة في مكانٍ ينقصه الأحبّة.
الحوار: الرجل والمرأة
يبلغ الديوان ذروة نضجه في القصائد الحوارية بين الرجل والمرأة. لا اتهام ولا تبرئة، بل محاولة فهم. كلا الصوتين إنساني، يحمل ذاكرته وجرحه وعجزه. هذا الباب لا يقدّم إجابات نهائية، بل يطرح سؤال العلاقة بوصفها مساحة أخلاقية معقّدة، يمكن أن تفشل دون أن يكون أحد أطرافها شريرًا.
القيم والوعي
مع التقدّم في الديوان، تهدأ النبرة، ويعلو صوت التأمّل. تظهر القيم الأصل، الكرامة، الطيبة بوصفها خلاصات تجربة، لا شعارات. يتحوّل الألم إلى معرفة، وتصبح الحكمة شكلًا هادئًا من الشجاعة.
التصالح والخاتمة
لا تنتهي «ومضات الروح» بانتصار أو هزيمة، بل بتصالح. تصالح مع الذات، ومع الذاكرة، ومع حقيقة أن بعض الغياب جزء من اكتمال الحكاية. إنها نهاية مفتوحة، تترك للقارئ مساحة ليكمل النص من تجربته الخاصة.
اللغة: بساطة واعية
لغة الديوان بسيطة في ظاهرها، لكنها دقيقة في عملها. المحكية هنا ليست تسجيلًا للواقع، بل إعادة صياغته شعريًا، بإيقاع داخلي هادئ، وباقتصاد لغوي يثق بالقارئ، ويترك له مساحة المشاركة في إنتاج المعنى.
خاتمة
"ومضات الروح" ديوان عن الإنسان حين يتخلّى عن الأقنعة، ويختار أن يقول ألمه بهدوء، وأن يحوّل التجربة إلى معنى، والبوح إلى معرفة. وهو في الوقت نفسه نتاج سياق ثقافي يؤمن بالقيمة قبل الرواج.
من هنا، لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته دار الحديث للنشر في احتضان هذا العمل، بما يعكسه من انحياز واضح للنصوص الجادّة، وللنشر بوصفه فعلًا ثقافيًا مسؤولًا. كما يبرز حضور الكاتب والإعلامي فهيم أبو ركن بوصفه فاعلًا ثقافيًا يدرك أن دوره يتجاوز الكتابة والإعلام إلى صناعة المساحة التي تتيح للأعمال القيمة أن ترى النور، وللأصوات الصادقة أن تصل إلى قارئها دون تشويه أو تسطيح. لهما معًا، ألف شكر على هذا الإسهام الحقيقي في دعم الثقافة الجادّة.
في المحصّلة، هذا شعر لا يطلب التصفيق، بل الإصغاء.
ولا يسعى إلى الإبهار، بل إلى الأثر.
وهي ميزة النصوص التي تُقرأ اليوم، وتبقى في الذاكرة طويلًا
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio